للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمانة الزوجة]

ومن الأمانات التي بينك وبين الناس: الزوجة: وقد جاء النص عليها في الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: (أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) فهي أمانة، هي بنت الناس، أبوها قبل أن يزوجك لا يرضى أن أحداً يمد عيناً عليها أو يضع عليها إصبعاً؛ بعض الآباء يغار على ابنته من الشمس والريح، لكنه بأمر الشرع يسلمك ابنته، نعم.

ويأتي بها إلى بيتك، ويذهب ويتركها لك تتمتع فيها بكل شيء، وبعد ذلك أعطاك الشرع قيادة وقوامة عليها، بحيث تأتي وتأخذها من بيت أبيها، وتقول: هذه زوجتي وهؤلاء أولادي، ما لك عليهم أمر، نعم.

أي: ولو أنت أبوها، ما دمت زوَّجتها فمالك عليها سلطة.

لكن جعلها الله أمانة في عنقك، ليس معنى هذا أن أباها أعطاها لك أن تأتي وتهينها؛ لأنه لا يكرم المرأة إلا كريم، ولا يهينها إلا لئيم؛ لأن من الناس من هو نعجة أو دجاجة أمام الناس، لكنه أمام المرأة أسد، تنظره يضرب ويفعل، لكنه إذا خرج إلى الخارج لا يضرب حتى قطة، وإذا دخل البيت كان أسداً:

أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تهرب من صفير الصافر

لا يا أخي الكريم! إن خير وأبر الناس من هو عند زوجته أفضل الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لأهله) ويقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) وكان خير الناس صلى الله عليه وسلم؛ كان يسابق عائشة، وكان يعجن لها، ويقوم بشئون أهل بيته؛ يطبخ ويكنس ويفعل، فمن منا يصنع هذا الآن؟! لا إله إلا الله! فهذه أمانة؛ تبتسم لها، وتسلم عليها إذا دخلت، وتطعمها مما طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، لا تذهب تأكل في المطعم وتأتي لها بخبز، بعض الناس يذهب المطعم يأكل (كبسة) أو سمكاً أو (حنيذاً) بمائة أو بمائة وخمسين، وإذا دخل أخذ (سندوتشاً) أو خبزاً وأعطى زوجته، هذا حرام، يجب أن تأكل مثل أكلك، وإذا أكلت أكلاً مفضلاً عليها فأنت خائن للأمانة.

ثم يجب عليك أن تراعي حقوقها الكاملة؛ لأن الله تعالى قد جعل لها عليك حقاً، ومن حقهن الأول المعاشرة بالمعروف، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:١٩] وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨] أليس لك حق عليها؟ تقول: نعم.

لي حق عليها لأني رجل، أيضاً لها حق عليك مثل حقك: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨] وبعد ذلك قال الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:٢٢٨] ما هي هذه الدرجة؟ قالوا: القوامة، أي: الإدارة، مثل موظف ومدير، الموظف عليه واجبات، والمدير له واجبات، لكن للمدير عليه درجة؛ لأنه المسئول، كذلك الأسرة.

فالأسرة إدارة؛ الزوجة فيها موظف والزوج هو المدير له درجة، لكن ليس المعنى الأفضلية، فيمكن أن هذه المرأة أفضل عند الله من الزوج، فكم من النساء فاضلات فيهن خير تعدل زوجها بمليون مرة؛ قوامة صوامة عابدة لله، وهو فاسق قليل دين -والعياذ بالله- ويقول: أنا رجل.

القوامة لا تعني الأفضلية، وإنما تعني المسئولية أمام الله سبحانه وتعالى، فهي أمانة عندك؛ في رقبتك وعنقك يوم تلقى الله؛ أن تحسن إليها، وتعاشرها بالمعروف، وألا تضربها، ولا تهينها، ولا تشتمها، ولا تضيع حقوقها، ولا تعتدي عليها، ولا تكره أقاربها، ولا تسبهم، ولا تلومهم أمامها، فهي لا ترضى أن تلوم جماعتها أو قبيلتها أو إخوانها؛ أو أعمامها أو أخوالها تنتقصهم وتتكلم عليهم، لا.

فهذا جرح لها وتنقص، كما أنك لا تريد أحداً أن ينال من أقاربك ولا جماعتك، كذلك هي زوجتك إنسانةٌ مثلك هذه حقوقها.

ومن حقوقها عليك: أن تحفظها من وسائل الفساد، وتأمرها بالحجاب، وتعلمها أمور الدين، وتدعوها إلى الله كل هذه من الأمانة التي بينك وبين هذه الزوجة.