للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين الأعمال الصالحة والمعاصي]

إن الذي يسمع الأغاني ويعرف أنها حرام، ولكن يعلل ويتعذر ويقول: قلوبنا نظيفة، وهذه بسيطة، وليت ما عندنا إلا هي، هذا مسكين مضلل، هذا معاند لله ومشاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول له: (من سمع الأغاني صب الله في أذنيه الآنك -الرصاص المذاب- يوم القيامة) ونقول له: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة) ونقول: إن الغناء ينبت النفاق في القلب، والآيات والأحاديث كلها تدل على تحريم هذا الشر المستطير الذي ينخر القلوب، ويسوس الإيمان، وينزع الدين من القلوب، ويهيج الجريمة، ويحرض على الفساد، وينسي عبادة الله، ويذكي الشيطان في النفس، وتقول لي: إن قلبك نظيف، وإن هذا الأمر هين، لا! وعليك أن تنزه نفسك عن هذا، نزه هذا السمع فلا تسمع به إلا كلام الله، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦] إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع إصبعيه في صماخي الأذن ومعه ابن عمر الغلام الصغير ومروا على راعٍ ومعه بوق، لو سمعته فإنك ستهرب منه، لكن يسد أذنيه ويقول للغلام: أتسمع؟ حتى إذا قال الولد: لا أسمع؛ أبعد يديه صلوات الله وسلامه عليه، كيف بمن يسمع الموسيقى الآن، والآلات الحديثة التي تنخر القلب نخراً، وتهز الإنسان وتسلب عقله وتجعله يرقص بدون قصد شيء مرعب، ما يبقى أبداً للإيمان في القلب شيء.

يقول ابن القيم:

حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان

لا يجتمع الضدان ولا يلتقي النقيضان، ما تجمع النار والبارود، ولا تجمع الطيب والعذرة، والقلب إناء تضع فيه قليلاً من كلام الله وقليلاً من كلام الشياطين فيصعد كلام الله، أو كما يقول بعض الجهلة: (ساعة لربك وساعة لقلبك)، ليس في هذا شرك، الساعات كلها لله، الله يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣] لا يوجد ساعة لقلبي وساعة لربي، ساعة أصلي وساعة أرقص وأغني، لا.

ساعتي لله، ليلي ونهاري، وسري وجهاري وحياتي وموتي، في بيتي ومكتبي، وسوقي ومع أهلي، كل حياتي مع الله في كل حين، مع الله في كل وقت وآن، لماذا؟ لأنك عبد لله تبارك وتعالى، هذا معنى الإسلام؛ ولأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠٨] يعني: بالكلية، لا يوجد دخول جزئي، أدخل قليلاً وأخرج قليلاً، مثل القطة كل حين وهي في طريق، لا.

دين دين، الزم نفسك، وليس معنى هذا أنك لا تعصي الله، لا.

قد تعصيه، لكن تعصي ويندم قلبك، وترجع وتتوب إلى الله، فيغفر الله ذنبك، ويقبل الله توبتك، ويبيض وجهك، وتشعر بلذة؛ لأن الله عز وجل غفور رحيم للمذنبين أمثالي وأمثالكم، فنحن نذنب ونلم، ولكن لا نصر ولا نداوم وإنما عرض، لهذا سماه الله: لمم، قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:٣٢] يعني: الذي يتعرض للذنب فقط، ليس دائماً في الشارع وينظر إلى النساء ينظر إليها من رأسها إلى قدميها، هذا ليس لمماً، لكن من يغض بصره ثم في لحظة من اللحظات نظر دون قصد وإذا به تقع عينه على امرأة فغض بصره، هذه معصية لكنه ما تعمدها ثم استغفر الله، فهذه ربي يغفرها له، أما أن يظل ينظر إليها ويقول: هذه بسيطة، هذه أحرقت قلبه ولا حول ولا قوة إلا بالله.