للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفريط في جنب الله]

=٦٠٠٠٨١٩>حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [الأنعام:٣١] وقد كذبوا بلقاء الله، وضيعوا فرائض الله، وانتهكوا محارم الله {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:٣١] تتقطع قلوبهم حسرات وتذوب أفئدتهم في أجوافهم ندماً على ضياع فرصة العمر، فرصة وحيدة ليس هناك غيرها، كل خسارة غير خسارة الإيمان والدين هينة، أما هذه الفرصة التي لا تعوض والخسارة التي ليس فيها ربح أبداً {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:٣١].

والتفريط هو: تضييع الشيء لغير حساب، يعني: معك مسبحة ثم انقطعت وتطايرت حباتها وضاعت، ماذا تقول؟ تقول: انفرطت علي، تقطع واحدة وتذهب منك عشر، هذا المفرط فرط في دينه، فضاع عليه إيمانه وعقيدته، وإخلاصه، وعبادته، فهو مفرط في كل شيء، تحاول أن تجمع له من هنا وهنا فلا تجد شيئاً، لماذا؟ لأنه منفرط عليه أمره {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨] قال عز وجل إنهم يقولون: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:٣١].

ثم ليتهم جاءوا وليس عليهم شيء، بل أتوا بالمعاصي فوق ظهورهم، قال عز وجل: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:٣١] طول حياته بارك للمعاصي مثل (صبيح) المعاصي؛ تعرفون (الصبيح) عند أهل البادية الصبيح يعني: الثور، يقولون في المثل: (ما غبر صبيح فعلى قرنه)، يأتي الثور ويركز قرنه في الطين وبعد ذلك يرفعه إلى أعلى يظن أنه يرش التراب وهو يرش قرنه على رقبته، ثم يردها بعد ذلك ويخرج وهو ممتلئ غباراً، من أين؟ من قرنه، كذلك صبيح المعاصي الذي غبر على نفسه، ويحمل على ظهرك، تنظر إلى الحرام معصية سجلت عليك، سمعت أغاني، تكلمت بالزور، كل شيء عليك، بالعكس غضيت بصرك، صنت سمعك، تكلمت بالخير، أديت الفريضة لك، إما لك وإما عليك قال عز وجل يوم القيامة: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:٣١] ساءت حياتهم، ومصيرهم، وأوزارهم، وأحمالهم، بماذا أتيت؟ ماذا غنمت من هذه الحياة؟ قال: عندي عشرة ملايين، قالوا: أين هي؟ قال: وراء {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:٤٠] قالوا: ابحث عنها، الذي وراء لا نريده، عندك شيء هنا؟ عندي عمارات، قالوا: أين هي؟ قال: وراء، قالوا: ابعث لها وراء، ماذا عندك الآن؟ عندي منصب، جاه، أولاد، قالوا: هذه كلها هناك نفعتك، يوم كنت حياً نفعك المال ونفعك الأولاد ونفعك المنصب، لكن يوم مت ما أحد دخل معك في القبر، ولا وضعوا معك رصيداً، أو كرسيك أو الدجلة أو الثوب في القبر، من وضعوا معك في القبر؟ وضعوا معك أوزارك وعملك وما اقترفت من المعاصي، فتحملها فوق ظهرك {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:٣١].

هل عندك صلاة؟ أو صيام أو حج أو عمرة أو تلاوة أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو حب في الله أو بغض لله أو طلب علم؟ هذا ما ينفعك يوم القيامة، هل عندك ترك للحرام؟ هذا ينفعك، لكن ما عندك من هذا شيء، ما عندك إلا الذنوب قال عز وجل: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُون} [الأنعام:٣١] نعوذ بالله وإياكم من هذا النداء، (ألا) هنا أداة استهلال وتنبيه أنه ساء حملهم وساءت معاصيهم عند الله يوم خرجوا من الدنيا متوجين بغضب الله ولعنته والعياذ بالله.