للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تضييع العلم وعدم العمل به والدعوة إليه]

من صور الخسران يوم القيامة ما ذكره الله في سورة العصر؛ وسورة العصر هذه من أعظم السور في القرآن الكريم، يقول فيها الإمام الشافعي: لو لم ينزل الله على الخلق حجة إلا هذه السورة لكفتهم.

وهي قوله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:١ - ٢] يقسم الله بالعصر وهو الدهر والزمن، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وليس للعبد أن يقسم إلا بالله وحده، أما الله فيقسم بما شاء، يقسم بالليل فقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:١] ويقسم بالنهار قال: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:٢] ويقسم بالشمس قال: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:١] ويقسم بالقمر قال: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:٢] ويقسم بالعصر، ويقسم بالقيامة، ويقسم بكل شيء؛ لأنه خلقه فمن حقه أن يقسم بما شاء، أما أنت فليس من حقك أن تقسم إلا بالله (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) فالله يقسم بالعصر قسماً، والمقسم عليه الإنسان أنت وأنا وكل من على وجه البسيطة، والألف واللام هنا للجنس، أن جنس الإنسان لفي خسر، أنا في خسر، وأنت في خسر، وكل من على وجه الأرض في خسر، إلا من توفرت فيه أربع صفات: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] فهؤلاء ليسوا بخاسرين، وقد استخرج منها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أربع قواعد مفيدة درسناها في الابتدائي بعنوان: اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلمٍ ومسلمة تعلم أربع مسائل: العلم.

العمل به.

الدعوة إليه.

الصبر على الأذى فيه.

أخذ هذه الأربع من الآية نفسها، العلم من الإيمان، والعمل من العمل الصالح، والدعوة من تواصوا بالحق، والصبر من و (تواصوا بالصبر)، هذا الذي آمن وأيقن ثم ترجم هذا الإيمان في عمل وصدق لا إيمان وعمل باطل، إيمان والدخان في الجيب، واللحية محلوقة، والأغاني عند رأسه، ويقول: مؤمن، مؤمن بالباطل! ما آمنت بالحق، مؤمن ولا يصلي في المسجد، وزوجته متبرجة، وينظر إلى الحرام، ويأكل الحرام: (إلا الذين آمنوا) ثم ماذا؟ (وعملوا الصالحات) هناك تلازم -أيها الإخوة- بين الإيمان والعمل، ليس هناك انفصال، والذي يدعي أنه مؤمن بغير عمل كذاب، لا بد من أن تصدق إيمانك؛ لأن الإيمان كلام، والكلام سهل، ولهذا قال الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة:٤١] لأن الإيمان إذا كان من اللسان لا يتجاوز إلى العمل، ولهذا بعض الشباب الذين يلتزمون وكانوا من قبل مؤمنين لكن منذ أن حصلت القناعة في قلبه قال: التزمت ما معنى التزمت؟ يعني: دخل اليقين في قلبي وأقنعني أنه ما في الدنيا طريق إلا طريق الدين، هذا أنا أمسك فيه التزمت وتمسكت، ولما التزمت كان المغني يغني وحين أسمعه قال: لا أريد، لماذا؟ قال: حرام، رغم أنه شاب وعنده دافع، وشهوة، ومثل ما عند ذاك الذي يغني ويقطع قلبه الأغاني، لكن حب الله أعظم من الأغاني، كان ينظر إلى الحرام وعندما التزم حين يرى امرأة مباشرة يغض بصره، كان يأكل الربا والآن لو يموت جوعاً ما يعمل بالربا، أو يعمل في مكان فيه ربا، أو يأكل ربا، كان يعتدي على لحيته وكان يخجل من أن يطيل لحيته، وإذا به يتركها قال: أقعد بلحيتي بين الناس يقولون لي: خبث، الآن يربي لحيته وإذا أحد قال له شيئاً قال: هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم أفخر بها، إذا فخر الناس باتباع الشياطين، فأنا أفخر باتباع أفضل الخلق أجمعين عليه صلوات الله وسلامه، القضية ما هي قضية شعر -أيها الإخوة- قضية انتماء، وحب، وفخر واعتزاز بهذا النبي الذي أمرنا بهذه السنة، فنحن نبقيها بوجوهنا لا (ديكوراً) ولا شكلاً ولا جمالاً، وإنما اتباعاً لهدي النبي صلوات الله وسلامه عليه، هذا الملتزم الذي التزم بدين الله حصل عنده القناعة، هذا معنى العمل {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:٣] خرجوا من نطاق النفس إلى دائرة المجتمع القريب وهم الأهل، والبعيد وهو المجتمع كله، وبدأ يتواصى بالحق وينصح، يلقى هذا فينصحه ويجلس مع هذا فينصحه، ويجلس مع ذاك فيقول له: لماذا؟ يريد أن ينجح ويخرج من هذه الخسارة.

وتواصوا بعدها بالصبر؛ الصبر على ماذا؟ أول شيء الصبر على المدعو، لا تتصور أن تدعوه وأنه مباشرة سيجيبك، لا.

قد يرفض هنا برئت ذمتك فاصبر، يقول الله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:٣٥] الهداية بيد الله، تدعو الإنسان مرة ومرتين وعشراً وعشرين ومائة ولا يهديه الله؛ لأن الهادي هو الله ليست أنت، ولكن إذا أذن الله بالهداية كنت أنت السبب فيه، أما أنك تريد أن تدعو وهو يستجيب على الفور فهذا لا يكون.

إن الله عز وجل له حكمته وهو أعلم بمن يهدي، يقول الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:٥٦] ويقول: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل:٣٧] الهداية ليست بيدك، عليك الدلالة والإرشاد، ولهذا تحتاج إلى صبر، ومن الناس من ليس عنده صبر، عنده زميل في المكتب وما عنده صبر عليه، ولهذا دعاه أول يوم وثاني يوم وثالث يوم وبعد ذلك ما صبر عليه، بعد ذلك ضاقت نفسه منه وقطعه وهجره وحوله إلى عدو له، هذه ليست دعوة، يا أخي! متى تحوله إلى عدو؟ إذا هو عاداك، أما إذا نصحته وقال: طيب جزاك الله خيراً، برئت ذمتك، واصبر مدة وذكره وأعطه موضوعاً آخر، لكن متى تهجره؟ إذا قلت له: يا أخي! هذا أمر، قال: اسكت لا أمر ولا نهي ولا تكلمني في هذا الموضوع، وأمر الدين هذا لا تناقش فيه، هذا عدو لله مباشرة تقطع علاقتك معه؛ لأن الله عز وجل يقول عن إبراهيم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤] أما ما دام يستجيب منك ويأخذ كلامك ويقول: جزاك الله خيراً، ووفقنا الله وإياك، وهدانا الله كما هداكم، استمر واصبر، وما هو شرط في هذه السنة الهداية، بعض الناس ما اهتدى إلا بعد سنوات طويلة، وبعد ذلك أنت تضرب، وهذا الضرب في هذا المكان له أثر، ولكن متى يكون المؤثر به؟ بعد ذلك بعلم الله تبارك وتعالى، فلا بد من الصبر ولذا الداعية الذي لا يصبر لا ينجح، شج وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب وأدميت عقبيه الشريفة، وكسرت رباعيته، وذهب إلى أهل الطائف فطردوه، ورجع وفي الطريق قال له ملك الجبال: (إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين) لو كان مستعجلاً لقال: نعم.

دمرهم، لكن قال: (إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده) نظرة بعيدة، أمل عريض في دين الله، يقول: إذا هؤلاء قد قسيت رءوسهم فإن أملي في الله أن يبقوا أحياء؛ حتى يخرج من أصلابهم من يعبد الله، وهذا الآن حاصل، كثير من كبار السن الذين تربوا قديماً في أيام الجفوة يخرج الآن من أصلابهم شباب الصحوة، من البيوت الجاهلية الآن هناك شباب مسلمون طيبون، والآن كانت المعارك في الماضي تدور بين الأولاد والآباء الأب يريد الدين والابن لا يريد الدين، الآن المعارك بين الآباء والأولاد، الولد يريد الدين والوالد لا يريده، بعض الآباء لا يريد الدين بالمرة، وبعضهم يريد بعض الدين، يقول: لا.

مرة هب لنا على كيفنا، يعني: فصل لنا دين على قدرنا، نصلي لكن نغني، حجاب على البعيدين لكن أما الأقارب أخوك وولد عمك لا تغير علينا يا ولدي، سفرة هنا وسفرة هنا وكلما دخلت أقعد هنا وأقعد هنا، يعني: تغيير هذا! دين الله تغيير، شريعة الله تضييق عليك، الله أكبر! كيف تضيق نفسك من أمر الله، والله إذا ضاقت نفسك من أمر الله ما آمنت، يقول الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥] هل حكمت شريعة الله في الحجاب؟ صعب عليك أنك تضع صحن أرز للنساء وصحن أرز للرجال، صعب هذا على أمر الله!! لكن يريدون ديناً مفصلاً مهذباً على هواهم، هذا ما يصلح لا بد من أخذ الدين جملة واحدة، ولا بد من الصبر، وهذه الأربع يسميها بعض العلماء: إطارات عربة النجاة، النجاة لا تكون إلا على عربة لها أربع إطارات: الإطار الأول: (إلا الذين آمنوا).

الإطار الثاني: (وعملوا الصالحات).

الإطار الثالث: (وتواصوا بالحق).

الإطار الرابع: (وتواصوا بالصبر).

الذي يمشي هكذا هو الرابح، لكن إذا أنقص إطاراً لا يستقيم، عنده إيمان لكن ما عنده عمل صالح، عنده إيمان وعمل صالح لكن ما يدعو إلى الله، ولا يحب في الله، ولا يصبر على طاعة الله، يمشي بنصف عربة النجاة لكن يمشي على فلان ما ينفع لا بد أن تمشي بعربتك الإيمانية على أربعة إطارات من الإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على الأذى في الله؛ لأن لقمان يقول لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:١٧] تغيير عادات ومألوفات الناس لا يقابل باستحسانٍ منك، شيء ألفه الناس ما يقابلونه باستحسان، لا بد يغيرون عليك ويرفضونه ويعيبون كلامك، ويقفون في وجهك، منهم زوجتك وحليلتك لما تأتي وتقول لها: تحجبي وهي طول حياتها ما عرفت الحجاب ما تقول: شكراً، بل تقول: لماذا هذا؟ يعني: ما تثق فيَّ، القضية ما هي قضية ثقة، لو أني ما أثق فيك ما كنت زوجة لي، أثق فيك لكن هذا أمر ربي، الآن شخص نقول له: صلِّ، قال: ماذا يعني: ما تثقون أني مؤمن، أنا مؤمن ولو ما صليت.

جاء رمضان ودخل رمضان وجاء شخص في الظهر