للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بداية يوم القيامة]

يبدأ أول حدث من أحداث يوم القيامة وهي الفترة الانتقالية الفاصلة بين عالم الدنيا وعالم الآخرة بالنفخ في الصور، ولذا فهذا الحدث له ما بعده، وله أهميته، فالكون العجيب الذي نعيش فيه يعج بالحياة والأحياء الذين نشاهدهم والذين لا نشاهدهم، فإن ما غيب الله عز وجل عن أبصارنا أعظم مما أبدى لنا، ولهذا يقول الله عز وجل: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة:٣٨ - ٤٣] فما أبصرنا وما كشف الله لنا في عالم المشاهدة ليس إلا شيئاً يسيراً مما أخفاه الله من العوالم الأخرى التي لا نراها؛ ولذا فقد وصف الله عز وجل أهل الإيمان بأن من أبرز صفاتهم ومن أهم علاماتهم الإيمان بالغيب فقال: {ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:١ - ٣] هذه أول صفاتهم، فما غيب الله عن أبصارنا أكثر مما أظهر لنا والعالم المشاهد ليس إلا نماذج بسيطة من العالم المغيب عن الأبصار.

وهذه العوالم ما كان منها في عالم الغيب أو عالم الشهادة فإنها في حركة دائبة لا تتوقف ولا تهدأ، وستبقى على هذا الحال في حركتها إلى أن يأتي اليوم الذي يأذن الله تبارك وتعالى بفناء العالم وهلاك من على وجه الأرض حين يقول: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:٢٦ - ٢٧] ويقول عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] وهذا الحدث سيكون عندما يأمر الله عز وجل بالنفخ في الصور فتنتهي الحياة في الأرض وفي السماء وتنتهي جميع عوالم الأرض والسماء المشاهدة وغير المشاهدة، يقول عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:٦٨ - ٧٠].