للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منكرات الموالد والشرك الحاصل فيها]

الدليل الثامن: يقع في تلك الاحتفالات من المنكرات والعظائم ما لا يعلمه إلا الله، وأعظم ما يقع فيها الشرك بالله، فإنهم في تلك الاحتفالات يتصورون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر، وبينما هم في المديح، والأدعية، والثناء، وهز الرءوس والتطريب يقولون: اسكتوا! وتقدم الحلاوة والذبائح والأكلات والبسطات، وبعد ذلك يقولون: جاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقومون قياماً، ويرخون رءوسهم، وينعقون ويبدءون في تقديم الدعاء، يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: يا مفرج الكروب، يا قاضي الحاجات، يا شافي الأمراض.

الله أكبر! لا إله إلا الله! يشرك برب الأرض والسماوات، وهذا هو الذي نزل من أجله الكتاب، وشرع من أجله الجهاد، وبعثت من أجله الرسل؛ أن يدعى الله وحده، والله يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:١٨].

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول للصحابي الذي قال له: (ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً؟! قل ما شاء الله وحده) (ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي ولكن يقول: فتاي وفتاتي) والله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:٦٥] هذا الرسول {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:٦٥ - ٦٧] سبحانه وتعالى عما يشركون علواً كبيراً، فيدعون الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهؤلاء نقول لهم بمنطق العقل: إذا كان في أكثر بقاع العالم هذه الاحتفالات، وكلهم يزعم أن الرسول جاء، فكيف انقسم عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخل كل حفل من احتفالاتهم؟!! كيف قام ووصل إلى كل هؤلاء، وخرج من عند هؤلاء في خلال ساعة، أو في يوم، أو في ليلة واحدة؟!! أهذا كلام يعقل؟ سبحان الله! رسول الله صلى الله عليه وسلم ميت صلوات الله وسلامه عليه، كما قال الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠] وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:٣٤ - ٣٥] هو ميت ولكنه حي، كأكمل حياة الشهداء، حياة برزخية، ليست حياة مثل حياتنا، حياة بزرخية كأكمل حياة الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، وهو لا يخرج من قبره ولا يعلم ما يحدث في أمته من بعده، ولهذا يوم القيامة يوم تذاد مجموعة من الأمة عن الحوض فيقول: (أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لا زالوا يرجعون عن دينهم القهقرى، فأقول: بعداً بعداً، وسحقاً سحقاً) وأقول كما يقول العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:١١٧] إلى آخر الآيات.

فهذه المنكرات يحصل فيها الشرك بالله، بالإضافة إلى الإسراف، والتبذير في إقامة الولائم، ونصب السرادقات، وإضاءة الأضواء، وإهلاك الأموال في هذا الأمر الذي لم يأذن به الله، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يسعنا -أيها الإخوة- إلا ما وسع السلف [ومن كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تأمن فتنته].

ونقول للناس الذين يبتدعون هذا: لو كان خيراً لسبقنا إليه صحابة رسول الله وسلف هذه الأمة، وما لم يسبقونا إليه فليس بدين، وما لم يكن في عهدهم دين فلن يكون في عهدنا دين، فقد ضيع هؤلاء أكثر دين الله، ثم يحدثون فيه ما ليس من دين الله، فنريد -أيها الإخوة- أن نعرف هذا الأمر على حقيقته، وأن نعرف أدلة رده حتى إذا ما ناقشنا مبتدع، أو جاء ليضللنا ضال؛ لأن كثيراً من المسلمين -فقهنا الله وإياهم بالدين- بحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وبفطرتهم السليمة، إذا جاءهم مبتدع وسوغ لهم هذا الأمر، ربما ينطلي عليهم، وربما بدافع الحب للنبي صلى الله عليه وسلم يصنعون هذا الأمر وهم لا يشعرون، فنريد أن يعي إخواننا، وهم بدورهم ينقلون هذا إلى كل من يسمعون أنه يحدث مثل هذه البدعة، ويقولون له: هذا ليس بدين، بل هي بدعة، والبدعة طريق الشرك.

فأَقَلّ بدعة كما يقول شيخ الإسلام ابن القيم: أعظم عند الله من أعظم كبيرة من كبائر الذنوب، يعني: البدعة الصغيرة أعظم من كبيرة الخمر والزنا، لماذا؟ قالوا: لأن صاحب الخمر والزنا يرجو أن يتوب، لكن صاحب البدعة يحسب أنه على هدى، ولا يفكر أن يتوب أبداً؛ لأنه يدعو إلى بدعته، والعياذ بالله! هذا -أيها الإخوة- ما أردت أن أذكره لكم كبداية في هذه الجلسة.