للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الروح في الحياة]

الجزء الثاني: الروح، والمقام ليس مقام تفصيل في هذه الأشياء؛ لأن الموضوع آخر، والروح هذه سر من أسرار الله لا يعلمه البشر: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:٨٥] ولا تعرف البشرية من أمر الروح شيئاً، إلا أنها تصعد، قال عليه الصلاة والسلام: (أول ما يتبع الروح البصر).

ولهذا ترى الميت إذا خرجت روحه يشخص بصره، فمن السنة أن تغمض بصره، هذه أوصاف ثبتت بالسنة، لكن كنه الروح وحقيقة الروح، إذا نمت أين تذهب روحك؟ الروح في جسدك ملازمة لك مثل الكهرباء في هذا الجهاز الذي تشغله، إذا لم توجد كهرباء لا يشتغل الجهاز.

جسدك إذا لم تكن فيه روح لا يشتغل، الجهاز البصري موجود، لكن إذا خرجت الروح هل تشتغل العين، العين هي التي ترى، لكن المشغل للعين: والروح إذا مات الإنسان عينه موجودة لكنه لا يرى، وأذانه موجودة لكنه لا يسمع، وأنفه موجود -جهاز الشم- لكنه لا يشم، وقلبه موجود -جهاز ضخ الدم- لكنه لا يعمل.

ولهذا الآن في عمليات زرع الأعضاء، إذا مات الإنسان أخذوا قلبه ووضعوه في وحدة ثانية، ويشتغل قلبه، لماذا يشتغل هنا ولا يشتغل هناك؟ لأن المشغل هناك موجود وهو الروح، إذاً الحياة أين هي؟ في القلب، أو في الرئة، أو في الكبد، أو في الكلى، أو في الجسد كله؟ الحياة بالروح، ما هي الروح؟ سلوا البشر الآن في جامعات الطب، وفي أشهر مستشفيات الدنيا، وتحت المجاهر، تعرفون الروح؟ قالوا: لا.

ولو أن الروح شيء يمكن الوصول إليه لكان الناس قد وصلوا إليه؛ لأنهم قد وصلوا إلى ما لا يمكن أن يوصل إليه، اكتشفوا الفيروسات والجراثيم عبر (مكرسكوب إلكتروني) وفيه راديو بالموجات، يكبر، أنا رأيت بعيني في أحد المستشفيات عبر مكبر يكبر ثلاثة مليون مرة، أي: الملي يجعله ثلاثة كيلو، ووضع أمامي الأخ شريحة عليها عينة بسيطة، وإذا بعالم من الجراثيم لا يعلمه إلا الله، فلو أن الروح يمكن أن ترى أو أن تكشف، لكان الإنسان قد اكتشفها، ولكن قال الله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:٨٥].

وقد قرأت في بعض المجلات أن عالماً من علماء الغرب، أجرى تجربة على حياة إنسان يلفظ أنفاسه، ووضعه في صندوق زجاجي وأجرى له وسائل الحياة وجعل يرصد حركته بحيث يعرف أين تذهب الروح، والأجهزة تعمل، وتخرج الروح ولا يدري أين ذهبت، أنت الآن إذا أتيت تنام، تموت وتخرج روحك، لكنها موتة صغرى، يقول الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:٤٢] أي: التي لم تمت يتوفاها وسمّاها الله وفاة، يتوفاها في منامها: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} [الزمر:٤٢].

أي: التي في النوم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:٤٢] ولهذا ورد في الحديث: (أنك إذا وضعت جنبك، تقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي - إن كانت آخر نومة- فارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وفي حديث آخر: (باسمك اللهم أموت وأحيا)، (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور).

فالنوم موت، لكنه موت أصغر، فما معنى موت أصغر؟ قالوا: تخرج الروح، لكنها لا تذهب بعيداً، بل تخرج خروجاً جزئياً قريباً من الجسد، ويبقى الجسد موجوداً، فأنت تضع أمام عين النائم ألواناً فلا يراها، وتضع عند أنف النائم عطراً فلا يشمه، تحدث أصواتاً بسيطة عند أذن النائم فلا يسمع، تتكلم عنده وهو نائم فلا يسمع، لماذا؟ لأن الروح ليست موجودة؟ أينها؟ هي قريبة، فإذا كنتم تريدونها تأتي تقولون: فلان فلان انهض، فيستيقظ، ضع له رائحة يشم، ضع له منظراً يرى، وأين كان؟ كان موجوداً قريباً، وأنا أشبهها -وقد قلت هذا في مناسبة- مثل الإجازة القصيرة؛ الروح انفصالها عن الجسد في حالة النوم مثل الموظف الذي يعطى إجازة عن عمله لكنهم يأخذون رقم التليفون، إذا أرادوه قالوا: اتصلوا به.

أما انفصال الروح عن الجسد بالموت مثل الفصل، فصل الروح عن الجسد لا تعود إلا يوم القيامة، هذا الجزء الثاني.