للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المصير المنتظر بعد الخلق هو الموت]

جاءت بعدها الحقيقة الثانية، قال عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون:١٥] بعد حقيقة الخلق جاءت مباشرة حقيقة الموت، وهذه لا مراء فيها ولا جدالاً، ولا يوجد أحد يماري فيها؛ لأن الذي يماري نقول له: إذاً اصبر قليلاً، فأنت الآن لا تصدق بالموت، ولكن اصبر وستموت كما مات أبوك، وجدك، والبشر من قبلك، مذ آدم عليه السلام، يقول الشاعر:

سر إن استطعت في السماء رويداً لا اختيالاً على رفات العباد

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد؟

يقول: إذا أردت أن تمشي متبختراً فطر أو امش لا مختالاً على رفات العباد، وعظام الناس، يقول: فما أظن أصل هذا الطين الموجود الآن إلا من رفات الذين قد ماتوا، كم عاش على وجه الأرض من البشر؟ ملايين بل مليارات من البشر عاشوا وماتوا كلهم وأكلهم الطين، خلقوا من الطين، وعادوا إلى أصلهم الطين، وهم الآن ينتظرون الحقيقة الثالثة.

الحقيقة الأولى نحن الآن نعيشها وهي الخلق.

والحقيقة الثانية وهي: الموت، نحن الآن قد حجزنا لها، وأكدنا الحجز؛ لأن الناس ثلاثة أصناف: - صنف سافروا.

- وصنف حجزوا.

- وصنف في الانتظار.

فالذين سافروا هم الذين ماتوا، والذين حجزوا هم الأحياء، وكل شخص رحلته معلومة، والذين في الانتظار هم الذين لم يأتوا بعد، فإذا وصلوا حجز لهم.

فمنذ أن كان الإنسان في بطن أمه حجز له متى يسافر إلى الآخرة.

فهنا الحقيقة الثانية وهي حقيقة الموت، قال عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون:١٥] والضمير هنا عائد على الخلق، أي: بعد ذلك الخلق لميتون.

سبحان الله! لماذا يخلقك الله هذا الخلق العجيب ثم تموت؟ لابد من وجود حكمة، هل يعقل أن الله يخلقك هذا الخلق، وتتعب أمك في حملك ووضعك وتربيتك، ثم أنت تتعب في معاناة الحياة ومصارعة الدنيا لكسب العيش، ومقابلة المشاكل، والصبر على الأمراض والمصائب من أجل أن تموت؟! لا.

لاشك أن هناك حكمة، لا بد أن الله خلقك لشيء، ما هو هذا الشيء؟ هو الذي أخبر الله به في كتابه، وهو العبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

ثم جاءت بعد ذلك في هذه الآية نفسها الحقيقة الثالثة، وهي الأخيرة من حقائق هذه الحياة، والتي بعدها ينقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، قال عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:١٦] الخلق تم، ثم حصل الموت، ثم جاء البعث، وبعد البعث يأتي الحساب، حساب ونقاش ومؤاخذات وسؤال، ومن ينجح فاز، ومن يسقط خسر، والمنهج واضح، وهو الكتاب والسنة، والمصدق له الجنة، والمكذب والمتساهل والكافر والفاجر -والعياذ بالله- له النار قال تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:٢٢٧].

هذه هي حقائق الحياة الثلاث، وسوف نتكلم عن كل واحدة بالتفصيل.