للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتدال خلقة الإنسان وتسويتها]

الحيوان المنوي الذي هو أصل الإنسان يتكون من ثلاثة أجزاء: رأس، وجسم، وذنب.

الرأس والذنب للتوجيه، والجسم يحتفظ بكامل خصائص الإنسان، يعني: أنت -أيها الإنسان- موجود في الحيوان المنوي بكامل خصائصك، طولك وعرضك ولونك وذكاؤك، وبعد ذلك أعضاؤك، وبعد ذلك صورتك العامة، خلايا العين في مكان خلايا العين، خلايا القدمين في مكان خلايا القدمين، فلو جاءت خلية العين مكان خلية الأذن، وجاءت خلية الرجل مكان خلية العين، لخُلِقَ لنا ولد مشوه عينه في رجله، له رجل وعين تحت وله عين ورجل فوق، ما رأيكم، كيف تكون الحياة؟ بعد ذلك يكون له أذنان سواء، هل رأيتم في الدنيا شخصاً له أذن كبيرة وأذن صغيرة؟ بل أذنان متساويتان وعينان ويدان ورجلان، بعد ذلك تتأمل في مفاصل العظام، مفصل العظم الناتئ يدخل في العظم الذي يتجوفه، لو زاد هذا قليلاً لما صلح، ولو نقص لما صلح، من ركبه هذا التركيب؟ كم هي من عظام؟ وكم هي من عروق؟ ثلاثمائة وستون عرقاً، ثلاثمائة وستون عضلة، ثلاثمائة وستون مفصلاً، ثلاثمائة وستون عظمة، كل هذه مركبة فيك من أولك إلى آخرك.

يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨] خلقك فسواك فعدلك، ليس هناك أجمل من خلقة الإنسان، جميع الحيوانات تمشي وظهورها أفقية، إلا أنت فمستو على رجلين، وجرب أن تمشي يوماً من الأيام على أربع، كيف تمشي؟ لكن الله سواك فعدلك، وبعد ذلك في أي صورة -في أي شكل جمالي- ما شاء ركبك، ثم قال: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} [الانفطار:٩] فخالقك هذا الخلق العجيب، وبهذا الإبداع والتركيب هو الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:١ - ٤] الذي خلقك هو الله تبارك وتعالى، ويقول عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:١ - ٢] ويقول عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان:١ - ٢] من نطفة أمشاج يعني: أخلاط، تختلط النطفة مع بويضة المرأة، نبتليه: نختبره {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:٢ - ٣].

ثم يتم هذا الخلق عبر المراحل التي ذكرناها، يقول نوح لقومه: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} [نوح:١٣ - ١٤] من هي المرأة التي تستطيع أن تحملك لو أن الله خلقك بصورتك هذه في بطن أمك؟ لكن الله خلقك في بطن الأم نطفة، وبعد ذلك تتدرج في النمو وهي تعاني أياماً إلى أن تكتمل، وإذا جاء الشهر التاسع، والذي يسمونه شهر الكرب، يقولون: فلانة أكربت يعني: بلغ بها الضيق والكرب مبلغه؛ لأنك اكتملت وأصبحت جاهزاً للخروج فتصبر عليك شهراً واحداً فقط، ثم تخرج ويقولون: فرّج الله كربها؛ لأن الله خلصها منك، لكن لو أن الله خلقك هكذا كاملاً في بطن أمك، ترفس وتركل في بطنها من يوم أن خلقت، كيف تكون حال أمك؟ لا تستطيع أن تتحملك يوماً واحداً.

أنت الآن إذا أكلت وشبعت، وأتيت لتنام لا يأتيك النوم فبطنك تؤلمك! لماذا؟ لأنك أكلت كيلو أو نصف كيلو لحم، وتبحث عن مهضمات أو عن شيء يخرج منك هذا الطعام، فكيف لو أنك مكتمل في بطن أمك.

لكن الله خلقك أطواراً، تتدرج من نطفة إلى علقة إلى مضغة، إلى أن صرت إنساناً وأخرجك الله إلى هذه الحياة.