للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسلوب القسم]

أقسم الله في القرآن الكريم أن البعث كائن، والله لا يقسم بذاته عز وجل ولا يأمر نبيه أن يقسم بذاته إلا على أمرٍ هام، يقول عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] الذين أنكروا البعث يصعب عليهم تصديق أن الله يرد هذا الطين آدمياً بعدما يصير طيناً، قال الله لهم: {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] إذا كان صعباً عليكم لأنكم بشر ضعفاء، فليس بصعب على الله، ولما سألوا قالوا: كيف يخلقنا ربنا ويعيدنا كلنا وقد مات الأولون؟ قال الله عز وجل: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:٢٨] قال: خلقكم ومن قبلكم ومن بعدكم إلى يوم القيامة وبعثكم مثل خلق وبعث نفس واحدة، وقال عز وجل: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:٥٧] ويقول: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:٢٧] أنت -يا إنسان- خلقك أشد أم خلق السماء؟ فكيف تستغرب أن الله يخلقك مرة ثانية وقد خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن؟ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:٣٨ - ٣٩] ويقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:١٦ - ١٧] فيقسم الله، ويأمر رسوله أن يقسم ويقول: قل يا محمد، قل يا أيها النبي: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:٧] بعد أن قال: زعم، والزعم هو الكذب {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:٧] قال الله: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧] ويقول له: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} [يونس:٥٣] يقول: الكفار يسألونك: أحق البعث؟ قال الله: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:٥٣] {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:٥٣] هناك: وذلك على الله يسير، وهنا: وما أنتم بمعجزين.

وقال عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:٣] الذين كفروا قالوا: ليس هناك ساعة، قال الله: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:٣] ويقول عز وجل: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:٢٣] أمر البعث حقٌ مثلما أنك تنطق، ألست الآن تنطق؟ والله إن أمر البعث حق مثلما أنك تنطق، وبعد ذلك من الذي قال هذا؟ الله، يقول: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:٢٣] وبعد ذلك هذا الأسلوب الأول، أسلوب التأكيد عن طريق القسم.