للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوة البدن في العبادة]

ومعطىً خامس أختم به هذا المقام وهو: أن الله عز وجل يرزق المؤمن قوة في بدنه، والمراد بالقوة هنا القوة في العبادة، فتراه قوياً في الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد، والعلم وطلبه وكل ما يحبه الله ويرضاه، وتراه جباناً في الشر، ضعيفاً في مواطن الشر، هذا بأسباب ماذا؟ بأسباب الهداية والإيمان.

وكن عن كل فاحشة جباناً وكن في الخير مقداماً نجيبا

وبالضلال وبالكفر تنعكس المسألة، فترى الضال والعاصي -والعياذ بالله- قوياً في كل شيء إلا في الدين، قوياً في الكرة: يلعب من العصر إلى المغرب يصول ويجول ولا يتعب ولا يكل ولا يفتر، لكنه إذا أتت الصلاة بدا كسلاناً لا ترى فيه أي قوة ولا قدرة على الصلاة، وإذا جاء الصوم تنهار قواه ويتعب، ويطلب إجازة، وينام من صلاة الفجر إلى المغرب، هذا كثير من صوام زمانك: يأخذ إجازة وينام من حين أن يتسحر في الساعة الرابعة، يقال له: صل، فيقول: ليس الآن، وينام -قال: لا توقظني حتى أقوم- ولا يستيقظ إلا قبل الفطور، وصلاة الفجر والظهر والعصر لم يؤدها، وقام يغسل وجهه، ثم يتقدم السفرة من أجل أن يلتهم الفطور، وبعد الفطور يلعب: (بلوت) و (ورقة) و (سمرة) إلى السحور، وجاء وتسحر ونام إلى الفطور، هذا صيام أهل هذا الزمان! لماذا؟ لأنه لا يستطيع أن يقاوم، فيقضي الصوم كله في النوم، وطبعاً النائم لا يحس بالجوع ولا بألم الجوع، فإذا استيقظ وبقي على وقت الفطور نصف ساعة أو ساعة فإنه يتوضأ فيها يقوم ليأكل، فتجد العاصي ضعيفاً في الصلاة ولا يستطيع أن يأتي إلى المسجد كل يوم، بل بعضهم يرحمه إذا نظر إليه أحد الناس، واحد من الشباب يقول لي: إنه كان قبل هدايته يقول: كنت والله إذا نظرت إلى فلان من الناس وهو طالع إلى المسجد أرحمه، أقول: هذا المسكين عذب نفسه، يذهب ويأتي إلى المسجد، وفي الظهر طالع ونازل، وفي العصر طالع ونازل، يقول: والله إني أشفقت عليه ورحمته، رحمته من الصلاة والصوم ومن الذهاب إليها، قلت: والآن؟ قال: والآن الحمد لله الذي هداني للإيمان.

وشخص يقول: ذهب إلى الرياض يقول: فمر على شارع اسمه شارع (السبيبري) يمكن طبعاً الآن ليس موجوداً أو تغير، هو آتٍ من شارع (البطحاء) ذاهب (للديرة)، فمر على مسجد بشارع (الفليلي)، وفي هذا المسجد إمام بارك الله فيه ووفقه يطيل الصلاة ويصلي بالناس التراويح صلاةً متأنية يطيل فيها، ولا يصلي معه إلا الذين يحبون الصلاة الجيدة، فمر عليهم هذا الشخص فرآهم يصلون، ثم ذهب إلى (الديرة) واشترى حاجاته وعاد وهو أيضاً يصلي للشيطان إلى أن تعبت رجلاه وهو واقف، ثم رجع وإذا بهم وقوف يصلون، يقول: والله إني رحمتهم، يقول: يا لله! هم من تلك الساعة وقوف يصلون؟ وهو نفسه يقول: والله ما ثنيت رجلي لجلوس وإنما بقيت واقفاً؛ لأنه لا يوجد مكان في السوق، لكن هو يصلي للشيطان في الأسواق، وهم يصلون للرحمن في المسجد فيرحمهم، يقول: فجلست وشربت ماء من ثلاجة المسجد، ويقول: انتظرت حتى سلموا من أجل أن أنظر إلى وجوههم كيف تبدوا وقد تعبوا.

يقول: أتيت وإذا بهم كلهم كهول ليس فيهم شاب، أما الآن فالحمد لله الذي يملأ المساجد هم الشباب بارك الله فيهم وكثر الله من أمثالهم، هذه نعمة من نعم الله تبارك وتعالى، وهي القوة في دين الله عز وجل.

ومرة في هذا المسجد أذكر لكم هذه القصة: سكن رجل في هذا الحي بجوار المدرسة، وبعد ذلك لم يأت ليصلي معنا، فجاءني الجيران، فقالوا: يا شيخ سعيد: عندنا جار لا يصلي معنا في المسجد، فنريدك أن تذهب وتكلمه، قلت: حسناً، فذهبت أنا وهم إليه وزرناه بعد المغرب فرحب بنا وجلسنا عنده، وقلنا: أنت ضيف جديد في الحي وجزاك الله خيراً، ومنذ أن سكنت انتظرناك لتصلي معنا في المسجد؛ لأنك تعرف أن الصلاة فريضة الله على عباده، ولكنك لم تأت فأتينا نرحب بك أولاً، ثانياً: ندعوك إلى الصلاة معنا إن شاء الله، وإن شاء الله تصلي ولا تتأخر حتى لا نضطر أن نرفع بك إلى المسئولين قال: جزاكم الله خيراً! إن شاء الله أصلي، ولما جاء صلى العشاء في تلك الليلة وجزاه الله خيراً فلم يقصر في الإجابة، وبعد فترة لم يصل! لا اليوم الأول ولا الثاني ولا الثالث ولا الرابع المهم مرت عليه فترة طويلة، قال الجيران: صلى ذلك اليوم فقط، ولم يأت بعد ذلك، فذهبنا له، ولما أتينا عنده قلنا له: المسألة أنا أتيناك في ذلك اليوم وقلنا: صل وما صليت معنا، قال: بل صليت، والله إني صليت معكم.

قلنا: كم صليت؟ قال: صليت ذلك اليوم.

وقلنا: لا.

الصلاة كل يوم تأتي تصلي.

قال: ماذا؟! كل يوم؟! قلنا: كل يوم! قال: كل يوم خمس مرات ذاهب وخمس مرات راجع وكل يوم؟ قلنا: كل يوم خمس مرات ذاهب وخمس مرات راجع -لا يتصور هو- قال: والله إن شاء الله، لكن في نفسه يقول: ما يخارجني هذا الكلام، يقول: كيف أطلع وأنزل كل يوم للمسجد خمس مرات، شيء صعب ما تعوده في حياته، المهم جاء اليوم الثاني فأخبرني جيرانه وقالوا: والله إنه لم يمس في هذا البيت، وأتى بسيارة كبيرة وأخذ عفشه وذهب في مكان ليس فيه مسجد لا حول ولا قوة إلا بالله! لماذا يستكثر الصلاة؟ ضعف بدني وإلا فهو ما شاء الله مثل الحصان عضلات، أي: يأخذ عشرة بيده، لكن الصلاة ثقيلة على النفس، والله تعالى يقول: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥] بينما تجد كبير السن الضعيف يأتي بعصاه من البيت إلى المسجد، ومن المسجد إلى البيت، ومن البيت إلى المسجد وهكذا، ما الذي قوى هذا؟ إيمانه وخوفه من الله قواه، والله إن بعض الكهول لو أتيت عليه في فراشه وكبلته وقيدته وضربته لا يمكنه أن يجلس إلا في المسجد، وبعض الشباب عضلاته مثل عضلات الحصان ولا يأتي يصلي، هذا ضعيف في دين الله فأضعف الله بدنه، وهذا قوي في دين الله فقوى الله بدنه.

فمن ثمار دينك وثمار هدايتك أن الله يقويك ويحفظ لك جوارحك ويقويك على طاعة الله.

هذه خمس معطيات وخمس ثمرات تجنيها ثمرة الإيمان في الدنيا، أهي خير -يا أخي المسلم- أم الضلال والفساد الذي يزرع في قلب العبد القلق والاضطراب؟ وأيضاً لا يضبط سلوكه؛ فيهلكه في أي مصيبة، ولا يوسع الله عليه في رزقه، ولا يجعل له محبةً في قلوب الناس، ويجعله ضعيفاً في كل شيء إلا في معصية الله فهو قوي، ومن كان في هذه الدنيا قوياً في معصية الله كانت قوة الله عليه عظيمةً يوم لا حول ولا قوة إلا بالله عز وجل في عرصات القيامة.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم قوة في دينه، وبصيرة في شرعه، وتوفيقاً في هدايته إنه على كل شيء قدير.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.