للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراحل أهوال يوم القيامة]

يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، يغلقون عليك القبر بالتراب، ويودعك الأهل والأحباب والأصحاب، وتواجه في القبر لوحدك السؤال والحساب، فأين الدنيا؟ أين المال؟ أين الولد؟ أين المنصب؟ أين الجاه؟ أين الرصيد؟ لا شيء، ليس معك إلا العمل، ويأتيك منكر ونكير ملكا السؤال ليسألانك، ويشددان في السؤال، وإلى هنا لا تزال القضية صعبة؛ لأن الملائكة لا يدرون، هؤلاء الذين في القبر منكر ونكير لا يدرون ماذا عندك؟ وهل أنت مؤمن أم فاجر؟ لا يدرون، ولهذا يوجهوا لك السؤال بقوة وبعنف، من ربك؟ ولهذا جاء في الحديث قال: (ملكان أزرقان ينتهرانه) انتهار! والإنسان ضعيف إذا جئت تنهره تذهب منه حتى المعلومات، وتتبدد منه الأفكار، فينتهران الإنسان، لكن الله يثبت المؤمن -أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المؤمنين، وأن يثبتنا وإياكم في الدنيا والآخرة- يقول الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧] ولولا تثبيت الله، والله لو أن عندك كل المعلومات فإنها تضيع في تلك اللحظات، لماذا؟ لأنها لحظات حرجة، القبر وشدته، واللحد وظلمته، والملائكة ونهرتها، وأنت ما معك أحد، وعرفت أنه ليس هناك دنيا، وليس معك أحد تضيع المعلومات من رأسك، لكن الله يثبتك، فينتهرانك ويشددان عليك في السؤال، فهل يا ترى تجيب أم تتلعثم ويغلق عليك الجواب؟ وبعده الدود يمزق الأكفان، ويأكل اللحم، وينخر العظام، ولو يفتح على الميت في ثالث يوم، الله أكبر! منظر عجيب، ينتفخ البطن، وتسري الهوام والديدان، وتنبعث الروائح، ويصبح للإنسان منظر لا يتصوره العقل، فأين لذاتك؟ أين فراشك؟ أين شهواتك؟ أين ملابسك التي لصيفك وشتائك؟ أين بخورك وعطرك؟ لا إله إلا الله! هاأنت تخرج من قبرك يوم القيامة عارياً كما ولدتك أمك: (يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلاً غير مختونين، قالت عائشة: يا رسول الله! الرجال والنساء؟ -يعني سواء الرجال والنساء ليس هناك ملابس- واسوأتاه، قال: الناس قد شغلهم أمر غير ذلك) لا أحد يتلفت لأحد، الناس شاخصة أبصارهم إلى السماء.

تخرج عارياً لتعرض على أول محطة من محطات الحساب وهي الميزان، ثم هل يثقل ميزانك، أم يطيش؟ والموازين تثقل بالحسنات وتطيش بالسيئات، طارت صحائف الأعمال، وجئت في الموقف الثاني وهو أخذ الكتب، فآخذ باليمين وآخذ بالشمال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:٧ - ١٣] كان مبسوطاً {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:١٤] ظن أنه لن يموت ويرجع إلى الله، آخذ باليمين وآخذ بالشمال.

فاسأل نفسك يا أخي: ماذا تتوقع؟ هل تأخذ كتابك بيمينك، أم تأخذه بشمالك؟ هل أنت تمشي في اليمين الآن، أم تمشي في اليسار؟ هل أنت تعكس السير إلى الله، أم تمشي مع الكون كله إلى الله؟ أنت تعرف.

هذه العين لها مسار إلى اليمين وهو النظر في ملكوت الله، والنظر في كتاب الله، والنظر في مصالحك، وفيه مسار واتجاه عكسي وهو النظر فيما حرم الله.

هذه الأذن لها مسار صحيح وهو سماع القرآن والذكر والعمل الصالح، ولها مسار غلط وهو سماع الغناء والغيبة والنميمة، هذا اللسان له مسار صحيح وهو ذكر الله وتلاوة القرآن والدعوة إلى الله، وله مسار غلط وهو الغيبة والنميمة واللعن والزور والفجور.

هذا الفرج له مسار صحيح وهو الحلال، وله مسار غلط وهو الزنا واللواط والحرام وهكذا.

فهل تتوقع أن تأخذ كتابك بيمينك وأنت تمشي في اليسار؟! لا يمكن المغالطة؛ لأن الله لا يُغَالَط.

وتأتي المحطة الثالثة: الصراط، أدق من الشعرة، أحد من السيف، أروغ من الثعلب، والجنة هناك والنار تحته، ولا يوجد طريق إلا من على ظهره، يا ترى هل تتجاوز أم تسقط؟ وعلى أي شيء تتجاوز؟ ما هي وسيلة العبور؟ (كبري) طائرة سيارة قدم؟ لا.

إنها وسيلة واحدة وهي العمل، إذا كان عندك عمل تعبر، وإن لم يوجد تسقط، والناس يتجاوزون الصراط بناءً على أعمالهم ويتفاوتون في السرعة بتفاوت مراتبهم، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (منكم من يمر كلمح البصر، ومنكم من يمر كالبرق، ومنكم من يمر كأجاود الخيل، ومنكم من يمر كأجاود الركاب، ومنكم من يمر كأشد الرجل -يعني: مثل الرجل المسرع- ومنكم من يمشي خطوة ويعثر بالثانية، ومنكم من يضع قدمه على الصراط والثانية في النار) ما يمشي خطوة واحدة على الصراط؛ لأنه ما مشى خطوة واحدة في طريق الله، والذي يمشي في طريق الطاعة وفي طريق الله يمشي بسرعة هناك.

رؤي سفيان الثوري رحمة الله عليه من السلف الصالح بعد وفاته، قيل له: ما صنع الله بك؟ قال: وضعت قدمي الأولى على الصراط والثانية في الجنة.

ما أبطأ، لديه عمل صالح، رحمة الله تعالى عليهم.

حتماً وحقاً وصدقاً ستواجه هذه الأهوال، وستقف بين يدي الله، وستسأل عن أعمالك: صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، فهل أحضرت للسؤال جواباً؟ {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:٩٢]، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:٢٤ - ٢٥].