للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التصور الخاطئ لمعنى الهداية]

بعض الناس يتصور أن معنى: (الله هداني) أي: أن يسلبك الإرادة ويجعلك إنساناً آلياً تعبد الله بدون اختيار! ليس لك جنة إذا سلب الله منك الاختيار، كيف يجعل الله لك جنة وأنت تعبده بدون اختيار؟ وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:١٣] يعني: لو أردنا لسلبنا الإنسان القدرة على الاختيار، ولجعلناه آلياً في حركته يعبدنا بدون اختيار، ولكن هذه ليست حكمة الله؛ حكمة الله اقتضت أن يعطيه القدرة والاختيار، وجعل له جنة وناراً، والجنة والنار للإنس والجن من بين سائر الخلائق؛ الملائكة السماوات الأرض الشمس القمر الليل النهار النجوم الشجر الدواب الحجر البحار الأنهار، كم خلق الله في الأرض؟ لكن لا يدخل الجنة والنار شيء منها، كلها تؤدي دورها في الحياة لخدمة الإنسان؛ لأن الله عز وجل قال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية:١٣] فإذا أغلقت الحياة، فالحيوانات تصبح تراباً، والشمس تكور، والنجوم تكدر، والأنهار تفجر، والبحار تسجر، وكلها تتغير ويأتي بك أنت يا (أبا اختيار) أنت الذي لك قدرة على أن تطيع، ولك قدرة على أن تعصي، فيقول: ماذا فعلت؟ أنا أعطيتك القدرة، وكرمتك، وفضلتك، وما جعلتك إنساناً آلياً، بل جعلتك سيد الكائنات، وجعلت لك القدرة على أن تسير في طريق الخير وطريق الشر، فماذا عملت؟ ماذا كنتم تعملون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ هذان سؤالان.

فبعض الناس يتصور يقول: إن معنى الهداية أن الله ينزل ملكاً من الملائكة، ويربط في رقبتك حبلاً ويقول: سقه إلى المسجد كل صلاة، هذا ليس من حكمة الله؛ حكمة الله أنه بين لك الطريق، وأعطاك القدرة، وحين يسلبك القدرة يسلبك التكليف، انظروا حكمة الله، فالمجنون الذي ذهب عقله هل يعاقب؟ لا.

لأنه ليس عنده القدرة على الاختيار، مسكين لا يدري: (رفع القلم عن ثلاثة) والقلم يعني: المؤاخذة والمسئولية، رفعت عن ثلاثة أصناف: (عن الصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ) إذا أفطرت في رمضان ناسياً، كأن جئت إلى البيت وأكلت أرزاً ولحماً، ولما أكملت تذكرت: كيف أكلتُ وأنا صائم؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما أطعمه الله وسقاه) كل واشبع، لكن ليس عليك إثم، لماذا؟ لأنك أكلت وأنت ناس، والله لا يعاقبك وأنت ناس، إذا احتلمت في نهار رمضان وأنت صائم، فتقوم وتغتسل، ولا شيء عليك، لماذا؟ لأن الله سلبك الاختيار في تلك اللحظات، فأرغمك على فعل شيء من غير اختيار.

كيف يرغمك على فعل شيء ثم يؤاخذك؟ هل هذا معقول في حق الله وهو العدل؟ هل هذا معقول في حكم البشر الآن؟ لو جئت من الخميس إلى الجولة، ووجدت رجل المرور يمنع الاتجاه إلى داخل الممساء، سيارات المرور واقفة، والإشارات شغالة، والعساكر يقولون: الاتجاه على المنهل، أنى اتجهت وجدت العسكري واقفاً يقول: لماذا تأتي من هنا؟ تقول للعسكر: ردوني، لا.

أنت غلطان، هات مائة ريال، معقول يفعل المرور هذا، مدير المرور معقول أنه يسد الخط الداخل إلى أبها، وحولوا الناس على طريق الطائف، والذي يأتيكم فخذوا منه جزاء؟ ليس معقولاً، ولو كان مجنوناً، وإذا فعل ذلك مدير المرور، ماذا نقول له؟ هل نطيعه؟ لا.

بل نقول: والله لا نعطيك، لماذا؟ لأننا ما أخطأنا، أنت الذي أجبرتنا أن نمشي من هذا الخط وتريد أن نعطيك نقوداً، والله لا نعطيك نقوداً ولو دخلنا السجن؟ فهل يعقل أن الله عز وجل يجبرك على سلوك طريق معين ثم بعد ذلك يدخلك النار؟ لا.

متى يجوز للمرور أن يعاقبك؟ إذا وضع لك لوحة وفيها علامة إكس، وبالعربي تحتها ممنوع الوقوف، وأتيت ووقفت، يأتي يمسكُ السيارة ولا يفكها إلا بثلاثمائة ريال، ولما تأتي، لماذا قيدت أو أمسكت السيارة يا مرور؟ قال: انظر اللوحة، تقول: والله أنا آسف ضع عني هذه المرة، يقول: لا.

هات ثلاثمائة، فتعطيه، ولا تقدر أن تتكلم عليه بكلمة واحدة؛ لأنك مخطئ، رأيت الإشارة واللوحة وجلست متحدياً للنظم والتعليمات، فتستحق الجزاء.