للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الضرورة الثانية: الماء]

الماء عليه مدار الحياة، يقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:٣٠].

ولكن ضرورة الإنسان للماء أقل من ضرورة الإنسان للهواء، إذ يستطيع الإنسان أن يعيش بغير ماء أسبوعاً كاملاً، وفي المناطق الباردة يعيش أسبوعين، لكنه لا يستطيع أن يعيش لحظة واحدة بغير هواء، ولذا لم يجعل الله الماء مُلابساً للإنسان يخرخر فوق رأسه أينما دخل وأينما خرج، ولو جعل الله الماء في هذا الوضع لمات البشر، ولكن الله جعل الماء ينزل من السماء بِقَدر، يقول الله عز وجل: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى:٢٧].

وإذا نزل هذا القَدْر من السماء على الأرض لا يجعله الله راسياً، فلو أنه شكل بحيرات ومستنقعات في الأرض لفسدت الحياة ولنمت الجراثيم، ولَجلبت العلل والأمراض، لا.

إنما يفتح الله الأرض لهذا الماء فيسكن في بطنها، لا يسكن في أعماقها وإنما قريباً من السطح، ولو جعل الله الأرض تمتص هذا الماء، لذهب إلى أغوار الأرض البعيدة ولحُرم منه الناس ولم يستفد منه أحد، ومات كل من على ظهر الأرض، ولكن الله عز وجل جعل الأرض تمتصه حتى لا تفسد الحياة بوجود الماء على ظهرها، فتمتصه ويختزنه الله عز وجل للناس في الطبقة العليا من الأرض، يقول الله عز وجل: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون:١٨] ويقول: {وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:٢٢].

والماء لديه قدرة عظيمة على اختراق الأشياء، فإذا وجد مثل خرق الإبرة في أي إناء فإن الماء يخرج منه، لكن من الذي حفظ لك أيها الإنسان داخل الأرض بين الشقوق والشعاب والحفر والحجارة، فتجده موجوداً لا ينقص؟! أنت تأخذ وهو يزيد من عند الله تبارك وتعالى، هذه نعمة من نعم الله عز وجل.

فجعل الله الماء موجوداً، لكن الحصول عليه يكون بمشقة، تحفر بئراً، أو تذهب إلى البحر فتجري تكريراً لمياه البحار، وبعد ذلك تأخذ منها الماء العذب وتترك الماء المالح، المهم أنه موجود لكنه بجهد، وليس بغالٍ، فالماء من أرخص وأكثر الأشياء في الأرض، بل إن ثلاثة أخماس الأرض ماء، وخُمسين من الأرض يابس، مع ما في بطن اليابس من المياه الغزيرة التي نحن من فضل الله في هذه البلاد نعيش عليها، ليس عندنا أنهاراً، ولكن جميع حياتنا الزراعية قائمة على مياه الأرض الباطنة، التي امتصت من مئات السنين من الأمطار التي تنزل إلى الأرض، ثم تسير على شكل وديان تمتصها الأرض وتحتفظ بها، إلى أن جاء الإنسان واستطاع بفضل الله عز وجل أن يصل إلى أعماق الأرض ويسحب هذه المياه، ويحول هذه الصحاري إلى مزارع وبساتين وجنان، وهذه كلها من نعم الله على الإنسان.