للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتناء الإسلام بالشخصية الإسلامية]

الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وشرفنا باتباع خير الأنام، أحمده تعالى أن هدانا للإيمان: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا مانع لعطائه، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده.

صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله: يقصد الإسلام بتشريعاته وأحكامه إلى رفعة الإنسان وكرامته، ويهدف بعقيدته وأخلاقه وتعاليمه إلى النهوض بالبشرية وإسعادها وإعزازها.

لذا فقد حرص الإسلام على إبراز شخصية المسلم الحق، وأكد على الأخذ بمقوماتها الإسلامية الأصيلة، وأكثر من ذكر معالم هذه الشخصية، وملامحها وركائزها وآثارها في كيان الأفراد والأمم، لتُعرف الصورة الصادقة عن الإسلام الحق، وأحداثه في حياة الناس.

وبقدر تمسك الأمم بمبادئها ومُثُلها، والتزامها بمناهجها ونظمها، واعتزازها بمميزاتها، وشخصيتها، بقدر ما تضمن مقومات حضارتها وأسباب عزها وكرامتها.

وبقدر تخليها عن مبادئ أصالتها، وقيم عراقتها، تتخلى عن عوامل نهضتها، وأسرار أمنها وقوتها ونصرتها، فتضمحل شخصيتها، وتنحسر مميزاتها، وتضعف هيبتها، وتذوب في بوتقة غيرها، حتى تكون الغلبة والهيمنة لأعدائها عليها.

ولكي لا يحصل ذلك فإنه لا بد من التذكير بين الفينة والأخرى ببعض خصائص هذه الأمة ومميزاتها، ولفت نظر أفرادها إلى الاعتزاز بشخصيتهم الإسلامية، وهويتهم الدينية؛ ليتميزوا عن غيرهم، ويحددوا مكانهم بين أفراد الأمم الأخرى، ويستقلوا بشخصيتهم، لا سيما مع التداخل العقدي، والتقارب الزمني، والاتصال المباشر، والتلاقح الفكري، والتأثر الجوهري والشكلي في هذه الأزمنة.

أمة الإسلام: لقد جاء منهج هذا الدين في تربية الشخصية الإسلامية منهاجاً قويماً، وطريقاً واضحاً، وسبيلاً مُحكماً، فقد حدد معالم شخصية المسلم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ورسم ملامحها، وأثبت دعائمها، وأرسى قواعدها منذ انبثقت شمس هذا الدين، فكانت نقطة تحول في تاريخ البشرية، غيَّرت المعتقدات وبدلت المناهج، ونورت البصائر والأبصار، وسلكت بالناس الطريق المستقيم، فعزوا بعد ذُل، واغتنوا بعد فقر، وانتصروا بعد هزيمة، وقوُوا بعد ضعف، أعادت لهم شخصيتهم المفقودة، وأثبتت كرامتهم المنشودة.

وهكذا يريد الإسلام من أبنائه أن يعتزوا بدينهم، ويتمسكوا بمبادئهم، ويثبتوا شخصيتهم أمام المتغيرات، فلا انفتاح، ولا تنازلات، ولا انبهار ولا مجاملات، ولا تبعية، ولا تقليد لأعداء الإسلام والمسلمين، ولا تشبه، ولا محاكاة للمخالفين في الملة والدين، فلا يستسمنوا الوَرَم، ولا ينخدعوا بالمناظر والبهارج، بل يميزوا بين الحقيقة والسراب، والجوهر والخراب، والصحيح والمزيف، والخالص والمشوب، حتى لا تتصدع الأصالة، وتهتز الشخصية، وتضطرب المقومات، وتتغير المعالم والمبادئ والاتجاهات.