للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبر والعظات من فريضة الحج]

يا عباد الله: الحج من بدايته بالتجرد من المخيط للإحرام، إلى نهاية مناسكه بطواف الوداع، مليء بالمواقف والعظات التي ينبغي ألا تفوت على الحاج، والتي ينبغي أن تؤثر في حياته المستقبلية.

أيها الإخوة في الله: إن الخير كل الخير، والغنيمة كل الغنيمة، أن يستفيد المسلم من العبادات والمناسبات الإسلامية، وأن تؤثر على مجرى حياته؛ ليكون زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، فإذا صلى رئيت آثار الصلاة عليه، كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] وإذا زكى رئيت آثار الزكاة عليه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣] وإذا صام رئيت آثار الصيام عليه كما قال تعالى في آخر آية وجوب الصيام: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣]

وكذلك الحج -يا عباد الله- ينبغي أن يؤثر على حواس الحاج؛ بأن يسلك المنهج السليم، والطريق القويم، ويلزم العهد الكريم، والصراط المستقيم، الذي كان عليه في الحج.

حجاج بيت الله الحرام: لقد أديتم والحمد لله معظم المناسك، فهل وجدت هذه المناسك لقلوبكم مدخلاً؟ ولأرواحكم مسلكاً؟ أم أنكم أديتموها جسداً بلا روح؟

هل رأيتم وأدركتم ما ترددون من أذكار وأدعية، وصدقتم مع الله فيها، أم أنكم ترددون ألفاظاً جوفاء، لا روح فيها، لا تعقلون لها معنى، ولا تحضرون عندها قلباً؟ هل تذكرتم مواقف الأنبياء والمرسلين من قبلكم؛ موقف إبراهيم، وإسماعيل، ومحمد صلى الله عليهم وسلم؟

هل تذكرتم جهادهم ودعوتهم إلى الله، وما لاقوه من أذىً ومتاعب.

؟

هل أديتم مناسك حجكم على هدي رسولكم صلى الله عليه وسلم، أم قصَّرتم في ذلك وتساهلتم فيه؟

هل وهل وهل؟ أسئلة كثيرة ينبغي أن تراود ذهن كل حاج، ويبين موقفه منها ويحاسب نفسه فيها.

أيها الحجاج الكرام: بعد أيام أو أقل ستعودون إلى بلادكم، بعد أن أنهيتم مناسك حجكم، وبعد أن سكب بعضكم العبرات، وعاهد ربه على التوبة النصوح! فتعودون بعد أن أعلنتم التوحيد (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، فتعودون بعد كل هذا فماذا أنتم فاعلون بعد ذلك؟