للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأعمال في ثاني أيام التشريق وما بعدها]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإنعامه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل، واشكروه على نعمه.

أيها الحجاج: أنتم اليوم في ثاني أيام التشريق؛ فيجب عليكم أن ترموا الجمرات الثلاث بعد الزوال من هذا اليوم، وتخرجوا من منى قبل غروب الشمس إن تعجلتم، وإن تأخرتم -وهو أفضل لكم وأتقى- فتبيتون بها هذه الليلة وترمون الجمرات الثلاث من الغد بعد الزوال، ويطوف بالبيت من لم يطف طواف الإفاضة، ويسعى بعده إن كان متمتعاً، أو قارناً أو مفرداً ولم يكن سعى بعد طواف القدوم، ثم إذا أردتم الخروج من مكة؛ فعليكم أن تطوفوا طواف الوداع.

فاتقوا الله عباد الله! اتقوا الله يا حجاج بيت الله! أتموا مناسككم، واستغفروا ربكم من تقصيركم، فالاستغفار ختام الأعمال: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة:١٩٩ - ٢٠٠] إلى قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة:٢٠٣]

وأتبعوا حجكم -يا عباد الله- بالعمل الصالح في جميع أحوالكم وأزمانكم، وما بقي من أعماركم، فعلامة الحج المبرور أن يرجع الحاج أحسن حالاً مما كان عليه قبل الحج، فيرجع مطيعاً لله بعد أن كان عاصياً، وذاكراً لله بعد أن كان غافلاً، وتائباً إلى الله توبةً صادقة بعد أن كانت مشوشة، ومقلعاً عن الذنوب بعد أن كان مصراً، وبذلك يصبح الحج مبروراً، والسعي مشكوراً، والذنب مغفوراً بإذن الله.

سُئل الحسن البصري رحمه الله: ما الحج المبرور؟ فقال: [[أن يعود زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة]].

فهل أحوال الحجيج اليوم تمثل الحج المبرور، الله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله!

عباد الله: واعمروا أيامكم هذه -أيام التشريق- بذكر الله عز وجل، وتكبيره وتحميده وتهليله، والأكل من نعمه وشكره عليها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:١٧٢] ويقول تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:٢٠٣] ويقول صلى الله عليه وسلم: {أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل}.

واحذروا اللهو واللغو والغفلة، والترف والسرف في هذه الأيام المباركة، وتوبوا إلى الله توبةً نصوحاً؛ بالإقلاع عن الذنوب، والعزم على عدم العودة إليها، والندم على فعلها، وجدوا في محو ما سلف من ذنوبكم، لعل الله أن يتوب عليكم ويعيدكم من ذنوبكم كما ولدتكم أمهاتكم، وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦]

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الرحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اهد المسلمين سبل السلام، اللهم جنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، اللهم وفقه لما تحب وترضى يا رب العالمين! اللهم اجزه خير الجزاء وأوفره؛ نتيجة ما قدم لحجاج بيتك الحرام، اللهم اجعل ذلك في صحائف أعماله، وفي موازينه يا رب العالمين! اللهم وفقنا لما تحب وترضى، اللهم منَّ على المسلمين بصلاح أحوالهم، وقادتهم وعلمائهم، وشبابهم ونسائهم يا رب العالمين!

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.