للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكمة من مشروعية الصيام]

أيها المسلمون: إن الله عز وجل، لم يشرع صيام رمضان لحاجته إليه، كلا.

فهو تعالى الغني عما سواه، ولكن شرعه لصالحكم أيها المسلمون! شرعه تربيةً للأجسام وترويضاً لها على الصبر وتحمل الآلام، شرعه تقويماً للأخلاق وتهذيباً للنفوس، وتعويداً لها على ترك الشهوات، والبعد عن المنهيات، شرعه ليعلمنا تنظيم معايشنا، وتوحيد أمورنا، ولتشيع روح التعاون والمساواة والعطف بين المسلمين، فالصوم وسيلةٌ عظمى لتقواه تعالى، وتقواه جماع لخير الدنيا والآخرة، وقد أودع الله فيه من الأسرار والحكم والمصالح الدنيوية والأخروية ما هو فوق تصورات البشر، ورتب عليه تعالى من جزيل الثواب، وعظيم الجزاء، ما لو تصوره الناس، لتمنوا أن تكون السنة كلها رمضان، يقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: {كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف}.

أيها المسلمون: اتقوا الله، وأدوا فريضة الصيام بإخلاصٍ ورغبة، وصبرٍ وطواعية، فالصوم الحقيقي -يا عباد الله- ليس مجرد الإمساك عن الأكل والشرب والجماع فحسب، ولكنه مع ذلك إمساكٌ وكفٌ عن اللغو والرفث، والغيبة والنميمة، والقيل والقال، والكذب والسباب، إمساكٌ وكفٌ عما لا يحل سماعه، من لهوٍ ولغوٍ وغيرهما، إمساكٌ عن إرسال النظر إلى ما لا يحل، فالصائم حقيقة من خاف الله في عينيه، فلم ينظر بهما نظرةً محرمة، واتقاه تعالى في لسانه، فكفه عن الكذب والشتم والغيبة وكل قولٍ محرم، وخشيه في أذنه، فلم يسمع بها منكراً، وخشيه في يديه، فمنعهما من السرقة والغش والإيذاء، وخشيه في رجليه، فلم يمشِ بهما ليرتكب منكراً، وخشيه في قلبه فطهره من الحقد والحسد والغل والبغضاء.

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: [[إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، وليكن عليك سكينةٌ ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء]].

وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري رحمه الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه: {من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه} ولتحذر المرأة المسلمة الصائمة من التبرج والسفور، وإظهار الزينة والتجول في الأسواق؛ فإن ذلك مما يسبب نقصان أجرها، بل مما يزيد في إثمها، والعياذ بالله!