للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة الإسلام إلى الحياة الدنيا]

أمة الإسلام: إن منهج ديننا الحنيف وموقفه من هذه الحياة الدنيا ونظرته إليها لا تكاد تخفى على كل من قرأ كتاب الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:٥] {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:٢٠] {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:٣٩] {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٦٤].

إخوة الإيمان: وأما سنة الحبيب المصطفى والرسول المجتبى عليه صلوات الله وسلامه، ففيها المنهج العملي الذي ينبغي أن يسلكه المسلم في هذه الحياة، روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: {أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء]] وهذا الحديث العظيم أصل في قصر الأمل في هذه الحياة، حتى لكأن الإنسان فيها على جناح سفر يتهيأ للرحيل، الله أكبر! ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره: {ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها} ومن وصايا عيسى عليه السلام لأصحابه قوله: [[الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها]] وقال عليه السلام: [[من ذا الذي يبني على موج البحر داراً، تلكم الدنيا فلا تتخذوها قراراً]] وقيل لنوح عليه السلام: يا أطول الأنبياء عمراً كيف رأيت الدنيا؟ قال عليه السلام: [[كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر]].

وعلى هذا النهج سار سلف هذه الأمة رحمهم الله، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [[إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل بلا حساب وغداً حساب ولا عمل]] وخطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال: [[إن الدنيا ليست بدار قرار، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها فيها الضعن، فكم من عامر عما قريب يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يضعن، كأن الموت فيها على غير ما كتب، وكأن الفناء فيها على غير ما وجد، وكأن الذي نودع إلى القبور سُفُرٌ عما قليلٍ إلينا راجعون]] وقال بعض السلف لأصحابه: انطلقوا معي حتى أريكم الدنيا، فذهب بهم إلى المزبلة، فقال: انظروا إلى الدنيا وما فيها.