للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحذير من التهاون في إخراج الزكاة]

إخوة العقيدة: لقد جاء الوعيد الشديد، والترهيب المرعب في حق تارك الزكاة، وفي حق من قصر فيها، وتساهل في أدائها، تحذيراً وإنذاراً، وإبداءً وإعذاراً، بأسلوبٍ ترتعد منه الفرائص، وتهتز له القلوب، وتذوب من هوله الأفئدة، بأسلوبٍ لو خوطبت به الجبال الصم؛ لخشعت وتصدعت.

يقول عز وجل فيه: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:٦ - ٧] ويقول جل في علاه: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:٣٤ - ٣٥] ويقول سبحانه: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٨٠].

قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: {من آتاه الله مالاً فلم يؤدِ زكاته، مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، فيأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- يقول: أنا مالك أنا كنزك} أخرجه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من صاحبٍ ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فيحمى عليها في نار جهنم، فيصلى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، وما من صاحب إبل ولا بقرٍ ولا غنم، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاعٍ قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة} متفق عليه.

فليسمع هذا الوعيد أرباب الآلاف والملايين، وأصحاب العقارات والتجارات، وأصحاب المزارع والمواشي، ليتصوروا هذا الموقف الرهيب بين يدي الله جل جلاله، فإنها والله لا يحمى عليها في نارٍ كنار الدنيا مع شدتها وحرها، إنما يحمى عليها في نار جهنم التي يعجز عن وصفها التصوير، ولا يقدر على ذكر أهوالها التعبير، وإذا ألقي فيها الجسد لا يقضى على طرف منه فقط، وإنما يكوى بها الجسم كله، من كل ناحية، من الأمام والخلف والجنب، في الجباه والجنوب والظهور، كلما بردت أعيدت، وليت هذا العذاب في يومٍ أو شهرٍ أو سنة! لكنه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، فقولوا لي بالله عليكم: من ذا الذي يطيق ذلك الهول العظيم؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧] فاتقوا الله يا إخوة الإسلام! وأدوا زكاة أموالكم، طيبةٍ بها نفوسكم، فقد أعطاكم الله الكثير، وأغدق عليكم المال الوفير، وطلب منكم أقل القليل، ولو أن أثرياء المسلمين اليوم قاموا بهذه الفريضة حق القيام، وصرفوا الزكاة في مصارفها الشرعية، لم تجد على الأرض من يتسول لفاقة، ومن يلح في مسألة لحاجة، ولاختفت مظاهر الإجرام والسطو والاختلاس والسرقة، ولكن نسأل الله أن يفتح على قلوب المسلمين، ويجعلهم إخوة متعاونين متكافلين، يرحم كبيرهم صغيرهم، ويعطي غنيهم فقيرهم، ليكونوا صفاً واحداً ويداً واحدة في عمارة أرض الله، ورعاية حقوق عباد الله، وما ذلك على الله بعزيز.

أقول قولي هذا.

وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.