للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعمال الحج يوم العيد وبعده]

حجاج بيت الله الحرام يفيضون في هذا اليوم إلى منى، لرمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات، استناناً بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، القائل: {خذوا عني مناسككم} ثم بعد الرمي ينحر المتمتع والقارن هديه، ثم يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل، وبعد ذلك يباح للمحرم كل شيء، حرم عليه بالإحرام إلا النساء، ويسمى هذا التحلل الأول، ويسن له بعد ذلك التطيب والتوجه إلى مكة لطواف الإفاضة وهو ركنٌ من أركان الحج لا يتم إلا به، لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩] ثم يسعى المتمتع سعي الحج، وكذلك المفرد والقارن إن لم يسعيا مع طواف القدوم، وبعد ذلك يرجع الحجاج إلى منى، للإقامة بها ليالي أيام التشريق، والرمي والمبيت ليالي أيام التشريق واجبٌ من واجبات الحج، ثم بعد الرمي في اليوم الأولين، من أيام التشريق، يجوز لمن أراد التعجل أن يخرج من منى قبل غروب الشمس، ومن تأخر وبات الليلة الثالثة ورمى الجمرات في اليوم الثالث، فهو أفضل وأعظم أجراً، يقول تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:٢٠٣].

فعليكم -عباد الله- بتطبيق سنة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وشغل هذه الأيام المباركة بالذكر والتكبير، لقوله صلى الله عليه وسلم: {أيام التشريق، أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل} ثم إذا أردتم الرجوع إلى دياركم يجب أن تطوفوا للوداع، وهو واجبٌ من واجبات الحج، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {أُمر الناس أن يكون أخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض} تقبل الله منكم، وجعل حجكم مبروراً، وسعيكم مشكوراً، وذنبكم مغفوراً، وعملنا وعملكم خالصاً صالحاً مقبولاً.

حجاج بيت الله الحرام: يا من لبيتم نداء ربكم! وجئتم إلى هذا المكان المبارك؛ تاركين أوطانكم وأموالكم، وأعمالكم وأولادكم، لبوا نداء ربكم في كل أمرٍ فاتبعوه، وفي كل نهيٍ فاجتنبوه، قولوها دائماً وأبداً: لبيك اللهم لبيك، إجابة بعد إجابة، في كل أمرٍ من أموركم، تذكروا باجتماعكم هذا يوم يجمع الله الأولين والآخرين مما يدفعكم إلى العمل بهذا العمل العظيم، ولتبقى عليكم آثار الحج المباركة بعد عودتكم إلى دياركم؛ بالاستمرار على طاعة الله، والبعد عن معاصيه، فإن مسئولية صلاحية المجتمعات، وأمانة العمل للإسلام، منوطة في عنق كل من انتسب للإسلام، كلٌ على حسب مكانته، فقادة المسلمين وولاة الأمر فيهم يطبقون في شعوبهم شرع الله، ويسوسون رعاياهم بحكم الله، وإن من التحدث بنعم الله، التنويه بما حبا الله هذه البلاد المباركة، من ولاة أمرٍ يعلنون الإسلام، ويعتزون به، ويحكمونه ويدعون إليه، وينصرون أهله ويقومون بخدمة الحرمين الشريفين، ويرعونهما إعماراً وتوسعةً وتطهيراً، صيانةً ونظافةً وتطويراً، ويتشرفون بخدمة حجاج بيت الله الحرام، فيذللون الصعاب أمامهم شقاً للطرق والأنفاق، وجلباً للماء العذب الزلال، وتوفيراً للمواد الغذائية، والتموينية والصحية، فولاة أمرنا -أيدهم الله بنصره وتوفيقه- حماة لهذا الدين، أنصارٌ لأهله، دعاة إلى عقيدة التوحيد، ينفذون شرع الله، ويطبقون حدوده، والله نسأل أن يثبتهم على الإسلام، ويزيدهم من الهدى والتوفيق، ويرزقهم البطانة الصالحة، إنه على كل شيءٍ قدير.