للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمان لمن دخل البلد الحرام]

عباد الله! لقد جعل الله هذا البلد حرماً آمناً، ومكاناً مباركاً، وهدى للعالمين، يجدون عنده الهدى بدين الله، هو أول بيتٍ وُضع في الأرض للعبادة، وخُصِّص لها، فلا يخرج به عنها بحال من الأحوال، من دخله كان آمناً، فهو بمثابة الأمن لكل خائف، وليس هذا لمكان آخر في الأرض سواه، وقد بقي هكذا منذ أن رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وحتى في جاهلية العرب، وفي الفترة التي انحرفوا فيها عن دين إبراهيم، وقد بقيت حُرمة هذا البيت سارية، وستبقى -بإذن الله- إلى أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها وهو خير الوارثين، فقد حماه الله عز وجل فلم يغلب عليه جبَّار، ولم يعلو فيه صوت على صوت الحق، ولم ترتفع فيه راية غير راية التوحيد، ولم يُرفع فيه شعارٌ مناهض للإسلام.

لقد كان الرجل في الجاهلية يلقى قاتل أبيه أو أخيه في البلد الحرام والشهر الحرام فلا يعرض له، كيف وقد امتن الله بذلك على الناس بقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت:٦٧] ويقول جل وعلا: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْء} [القصص:٥٧] بل لقد تعدَّى الأمر الإنسان إلى الحيوان والطير والنبات والزرع والشجر والمال والجماد، أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: {إن هذا البلد! حرَّمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُسفك فيه دم، ولا يُعضد فيه شوك، ولا يُنفَّر فيه صيد، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا لمن عرّفها}.