للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[همة الإمام أحمد في طلب العلم]

معاشر المسلمين: لقد أقبل الإمام الرقيق النحيل، الربعة من الرجال والطوال، ذو اللون الأسمر والتواضع الجم، ينهل من العلم، فحفظ القرآن وأقبل على الحديث والأثر حتى حفظ مئات الألوف من الأحاديث، وما كتابه المسند إلا دليلٌ على طول باعه في علم السنة، في مجال الرواية، وقد جمعه من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف، واستغرق في جمعه أكثر من خمس عشرة سنة.

أما الدراية فهو ابن بجدتها والصيد في جوف الفرى، ملتزماً بفقه السنة، والعناية بالدليل والأثر، والأخذ بفتاوى الصحابة رضي الله عنهم.

رحل في طلب العلم إلى كثيرٍ من البلدان، حتى قال عنه ابن كثير: لقد طاف في البلاد والآفاق ليسمع من المشايخ، وكانت له همة عالية في الطلب والتحصيل، فما ترك لحظة من لحظات شبابه وكهولته، إلا حرص فيها على سماع حديث، أو تصحيح رواية، وما قصته في سماعه من عبد الرزاق بن همام الصنعاني في مكة وسفره معه إلى بلاده، مع بعد الشقة وانقطاع النفقة، إلا دليلٌ على علو الهمة ومضاء العزيمة، حتى عد حافظ زمانه.

قال ابن المديني: ليس في أصحابنا أحفظ منه.

وقيل لـ أبي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ؟ قال: أحمد بن حنبل، حزرت كتبه في اليوم الذي مات فيه، فبلغت اثني عشر جملاً وأكثر، كلها يحفظها عن ظهر قلب.

ومع هذا العلم الجم، فقد خاف الإمام على نفسه البروز والشهرة والتصدر، فلم يجلس للتدريس إلا بعد الأربعين من عمره، كما قال ابن الجوزي رحمه الله، وما ذاك إلا مراعاة لسن النضج والاستيثاق من العلم.

وكان من شدة ورعه رحمه الله أنه لا يحدث إلا في كتاب خشية الزلل، مع قوة حافظته وشدة عارضته، ولا يسمح بتدوين فتاواه، ولا يرى تأليف الكتب تقوىً وورعاً منه عليه رحمة الله، قيل إنه لسعة علمه أجاب عن ستين ألف مسألة بقال الله وقال رسوله وفتاوى الصحابة رضي الله عنهم.