للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف الإمام أحمد من المحنة]

إخوة العقيدة: ومن أهم حياة الإمام أبي عبد الله رحمه الله منهجه في العقيدة، والتزامه نهج الكتاب والسنة، وما عليه سلف الأمة في التوحيد والصفات وإنزال القرآن، حتى أوذي وامتحن، فصبر وصابر ولم يتزحزح عن قول الحق، حتى ربط موقفه في محنته بموقف الصديق رضي الله عنه.

يقول علي بن المديني: لقد أعز الإسلام برجلين، بـ أبي بكر يوم الفتنة، وبـ أحمد بن حنبل يوم المحنة.

ولم يكن الإمام بمعزلٍ عن الأمة والمجتمع، بل كان عالماً عاملاً، مصلحاً مجاهداً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لكنه مع ذلك يلتزم مسالك الرفق والحكمة، ملتزمٌ بالطاعة، موافقٌ للجماعة، بعيدٌ النظر في الإصلاح.

يقول ابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل رحمه الله فيما أخرجه الخلال في كتاب السنة: اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله -يعني الإمام أحمد رحمه الله- وقالوا له: يا أبا عبد الله إن الأمر قد تفاقم وفشى -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمارته وسلطانه، فناظرهم في ذلك وقال عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح ضَرٌ ويُستراح من فاجر، وقال: ليس هذا صواباً -أي: نزع اليد من الطاعة- هذا خلاف الآثار.

وفي ذلك عبرة على مدى التاريخ أن سلطان العلم، لا بد له من منهجٍ سليمٍ يتخذ مع سلطان الحكم، تحقيقاً للمصالح ودرأً للمفاسد، وتجنيباً للأمة غوائل الشرور وعاليات الفتن.

الله أكبر! ما أعظم العلم! وما أهم الفقه! وما أجل مكانة العالم إذا ثبت على السنة! لم تستمله العواطف، ونظر بعين الحكمة في مصالح الأمة.

أمة الإسلام: ولقد ضرب الإمام أروع الأمثلة في الثبات على المبدأ والصبر أمام الفتن، لقد أوذي وسجن، وضرب وأهين؛ فلم تلين له قناة، وبذل مهجته في سبيل الله، ولم يتزحزح عن حقٍ يراه ولو كلفه حياته، وهذه دروسٌ للعلماء والدعاة في كل زمانٍ ومكان.

لقد سخر بالأهوال التي حاطت به، والمخاطر التي حفت به، والمؤامرات التي أحيكت ضده، وهزأ بالسياط التي تلهب ظهره، ولم يبالي بالحديد الذي كبل فيه، والسجن الذي أودع به، وبالتالي ثبت أمام المغريات، كل ذلك هين ما دام في سبيل الله، وصيانة كتابه من عبث العابثين، وحفظه من اعتقادات المخالفين.