للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الولاء للمبادئ والثوابت]

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أكمل الله به الدين وأتم به النعمة وأقام به الحجة، وسد كل طريق إلى الجنة إلا من طريقه، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

عباد الله! إن قيمة الأفراد والمجتمعات ومكانة الأمم والحضارات؛ تكمن في ولائها لمبادئها، وانتمائها لأصولها وثوابتها، وإن انتماء المسلم وولاءه يجب أن يكون لدينه وعقيدته، ولكتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مهما طالت السنون، ومرت القرون، ولله در إمام دار الهجرة رحمه الله حيث يقول: لن يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً.

كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى عامل له فقال: أما بعد:

فإني أوصيك بتقوى الله، والاقتصار على أمره، واتباع سنته وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدثه المحدثون بعده مما جرت به سنته، وكفينا مؤنته، فعليك بلزوم السنة؛ فإنها لك بإذن الله عصمة، واعلم أن السنة إنما سنها من علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم السابقون وإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذٍ كفوا، ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى، وبفضل فيه لو كان أحرى، فلئن كان الهدى ما أنتم عليه فقد سبقتموهم إليه، وقد تكملوا فيه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، لقد قصر دونهم أقوام فجفوا، وطمح عنهم آخرون فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم.

وما أحسن ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [[من كان منكم مستناً فليتسن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذا الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوماً اختارهم الله سبحانه وتعالى لصحبه نبيه صلى الله عليه وسلم، فاعرفوا لهم فضلهم وتمسكوا بما استطعتم من آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم]].

ألا ما أحوجنا أمة الإسلام اليوم، بعد أن أوشكت أمواج الفتن وأعاصير المحن أن تعصف بسفينة الأمة، وتطيح بها بعيداً عن ساحل الأمان، وشاطئ السلامة والنجاة، ما أحوجنا أن نراجع أنفسنا وننظر في أحوالنا ومناهجنا! ما مدى التزامنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ما مدى صدق دعوانا في عقيدتنا وتمسكنا بسنة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم؟ إن مقياس ذلك الذي لا يتغير ومعياره الذي لا يتبدل هو النظر في التطبيق والاتباع.

هذا وإني أوصي المسلمين جميعاً من هذه البقعة التي انتشرت فيها رايات الكتاب والسنة -إعذاراً وبلاغاً للأمة، وبراءة للذمة- أن يتقوا الله عز وجل، ويتمسكوا بهدي سلفهم الصالح، ويبتعدوا عما أحدثه المحدثون وابتدعه المبتدعون.

فخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم جل في علاه، فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلِّ عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلِّ عليه وعلى المهاجرين والأنصار، اللهم صلِّ عليه ما تلاحمت الغيوم، وما تعاقبت النجوم يا رب العالمين!

اللهم ارض عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأدم الأمن والاستقرار في ربوعنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.

اللهم هيئ لأمة الإسلام من أمرها رشداً، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولِّ عليهم خيارهم، واكفهم شر شرارهم يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير وفي كوسوفا وفي غيرها يا رب العالمين! اللهم عجل بنصرهم يا قوي يا عزيز!

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.