للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الإخلاص]

أيها الإخوة! حديثٌ عظيم -كلكم يعرفه- يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالنيات! وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه}.

حديث عظيم في النية ومكانتها، والنية: هي التي ينبني عليها الإخلاص لله عز وجل، فالعمل بلا نية -كما قال أهل العلم- عناء، وعمل بلا إخلاص هباء، والعياذ بالله، يقول الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣].

وقاعدة النية قاعدة عظيمة، اعتنى بها علماء الإسلام، وصدر كثيرٌ من أهل العلم في الحديث وغيرهم كتبهم بهذا الأمر المهم، تذكيراً بشأن النية، وأن على المسلم أن يكون ذا نية، وأن يكون مخلصاً نيته لله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [الزمر:٢] أمرٌ بالعبادة؛ والعبادة لا تكون عبادة إلا إذا كانت خالصة لوجه الله: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٢ - ٣].

بلى والله! لله الدين الخالص، وتعالى الله عما يُشرك به المشركون علواً كبيراً.

الله سبحانه هو الذي منّ علينا في هذه الحياة وخلقنا ورزقنا، وما بنا من نعمة فمنه وحده، ومن قلة الحياء عقلاً أن تتوجه إلى غيره، فكيف وقد جاءت النصوص الشرعية، وأصبح إيمان العبد لا يصح إلا بتحقيقه لله وحده.

الله سبحانه يجب أن تُصرف له العبادة بكل ما تحمله كلمة (العبادة) من معنى، فكل تحرك ينبغي أن يكون لله، ولهذا ينبغي على المسلم المحب نجاته أن يعرف خطواته كم منها لله؟ وكم منها لغير الله؟

وأن يعرف لقاءاته وجلساته، وأن يعرف اهتماماته، هل هي لله أو تشوبها شوائب من العمل للدنيا أيَّن كانت؟

يقول تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥] {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:١١ - ١٥].

إن يرضى عني الناس أو إن يسخطوا أنا لم أعد أسعى لغير رضاك

على المسلم أن يلتمس رضا الله وإن سخط الناس كل الناس، عليه أن يسير على منهج كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وفهم السلف الصالح، المأخوذ من العلماء الربانيين الذين يبينون للناس ما خفي عليهم، ويبينون الحق عند التنازع والاختلاف من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

أما الذين يعملون لغير الله؛ فإن أعمالهم وبالٌ عليهم والعياذ بالله! أو من يعملون أعمالاً لكنهم يقعون في الرياء الذي يُناقض الإخلاص أو ينقصه، والعياذ بالله.

أن ينظر الإنسان إلى أعمال الناس وإلى أقوالهم، وأن يلتمس مدحهم وثناءهم وإعجابهم، فالناس هم الذين يوجهونه، وهم الذين يريدون منه أن يفعل كذا فيفعل، ويلتمس رضاهم ويبحث عن ثنائهم، ويسأل عن مدى إعجابهم، هذه هي البلية التي تناقض الإخلاص، والعياذ بالله!

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:٢٠] {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الإسراء:١٨ - ١٩].

أيها الإخوة! فلنكن ممن يريد الآخرة بعمله، فالدنيا سوف تأتيك وهي راغمة ولن يأتيك من الدنيا إلا ما كُتِبَ لك، فلا تنظر إلى الناس ولا إلى مدحهم، كباراً كانوا أو صغاراً، بل يجب عليك أن تسلك رضا الله وإن سخط الناس.

نعم! المسلم يأتيه مدح الناس وثناؤهم؛ لكنه لا يتطلع إليه إن جاءه شيء، فذلك مشجعٌ له على الخير؛ كما قال عليه الصلاة والسلام في الصحيح حينما سُئِلَ عليه الصلاة والسلام: {إن الرجل ليعمل بالعمل ابتغاء وجه الله فيمدحه الناس، قال: تلك عاجل بُشرى المؤمن}.

لكن الخطر كل الخطر! أن يلتمس الإنسان رضا الناس على معنى أنه يعمل فيما يرضيهم، وإن سخط الناس أحجم عن العمل وإن كان عملاً شرعياً، ولهذا يقول بعض السلف: "ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك".

أن تعمل لأجل أن يراك الناس، أو لأجل الناس فهذا شرك والعياذ بالله!!

أما أن تترك العمل الصالح للناس فذلك من باب الرياء؛ لأنك لم تنظر إلى ما يريده الله، وإنما نظرت إلى آراء الناس وكلامهم ورضاهم، وليس معنى ذلك: أن الإنسان يضرب بآراء الناس عرض الحائط، لكن يسمع كلام الناس ويأخذ منهم، ويفتح قلبه وصدره لهم، ويناقشهم ويجادلهم بالحسنى، لكن الحق أحق أن يُتَّبع، أما إذا رضي الناس إلا أن تترك الخير، أو تترك السنة، أو تترك المعروف، فليسخط الناس كلهم، ولكن على الإنسان أن يبين لإخوانه في الله، ويبين للناس ما ينبغي أن يعرفوه من أمور دينهم، ولا ينبغي أن يعرفوه عند الاختلاف والتنازع، وأن يكون معروفاً مأخذه ورأيه، ومستنداً إلى دليل من كتاب أو سنة، ويكون أهل العلم هم الذين يبينون النزاع فيما وقع فيه النزاع: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:٨٣].