للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجالات الإخلاص]

أما مجالات الإخلاص: ففي العلم، والعقيدة، والدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والبيت، والأسرة، والوظيفة، والعمل وكل مجالات الحياة كلها ينبغي أن تكون خالصة لوجه الله، حتى الأمور العادية ينبغي أن يُخلص الإنسان فيها لوجه لله، لتنقلب من عادة إلى عبادة، يأكل ابتغاء ثواب الله، للتقوي على الطاعة، ينام ليستريح فيقوم نشيطاً لأداء العبادة.

وهكذا يتزوج لقضاء الشهوة؛ وليعف نفسه ابتغاء وجه الله في بضع ذلك الرجل حسن النية صدقة، كما قال الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام حينما قال لهم: {وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أفرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر} فينبغي على المسلم أن يحتسب الأجر، وأن يستصحب النية الصالحة الخالصة لوجه الله في كل عملٍ من الأعمال.

ولهذا كانت النية الصالحة عزيزة على النفوس، وتحتاج إلى مجاهدة، كما قال بعض السلف لما سُئِلَ عن أهم الأعمال قال: "الإخلاص ولا تستطيعه النفوس إلا بالمجاهدة".

وكان معروف الكرخي يقول: [[يا نفس! أخلصي تتخلصي]].

أخلصي اليوم لله عز وجل؛ تتخلصي في هذه الدنيا من المتاعب، وتتخلصي غداً من العذاب الأليم عند الله تبارك وتعالى، وكيف ونتيجة عدم الإخلاص النار والعياذ بالله؟! ولهذا ذكر الله عز وجل عن المنافقين أنهم لا يُخلصون وإنما {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء:١٤٢]، وذكر أن عقابهم النار وأنهم {فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً * مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً} [النساء:١٤٥ - ١٤٧].

المنافقون يعملون أعمالاً صالحة فيما يظهر للناس، ولكن أمرهم إلى وبال؛ لأنهم أعداء للمسلمين، فهم وإن صاموا وصلوا وزعموا أنهم مسلمون! فنتيجة عدم إخلاصهم أن صار لهم العذاب الأليم في الدنيا والآخرة والعياذ بالله.

فينبغي علينا -أيها الإخوة- أن نسلك سبيل المخلصين والمؤمنين، وأن نبتعد عن طريق المنافقين، وينبغي علينا -أيضاً- أن تكون كل تحركاتنا لله فعلمنا لله، وإخلاصنا لله، وأدبنا مع إخواننا، وأخلاقنا ينبغي أن تكون لله -الأخلاق والسلوك -أيضاً- ينبغي أن تكون لله- لا تكن أخلاقاً تجارية كما يراه بعض الناس لتسويق بضاعة، أو ليقال: فلان خلوق، لكنه يتخلق بالأخلاق الحسنة؛ لأنه يعلم أن الخلق الحسن مما يُثقِّل الموازين، وأنه ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق، وأن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وأن تبسمه في وجه أخيه صدقة، وأن الأخلاق عبادة يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، هذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم، أن يكون بيته بيت إخلاص، لا يذكر فيه غير الله، ولا يُربى فيه الأبناء إلا على منهج الله.

المرأة المسلمة! أين الإخلاص من المرأة المتبرجة التي تريد أن يرى الناس زينتها وأن تفتن الناس؟

إنها تعمل للناس، ولو عملت لله لأخلصت لله بحجابها وعفافها وحشمتها.

وهكذا الرجل وهكذا الشاب المسلم وهكذا التاجر المسلم وهكذا الموظف المسلم يعمل لا ليقال: إداري ناجح، وإنما يعلم أن عمله أمانة، وأن عليه أن يخلص لله قبل كل شيء، عمله عبادة إذا أخلص فيه لله.

ولهذا ينبغي علينا أن نحتسب، وأن نعلم أن وظائفنا وأعمالنا ودراستنا وطلبنا للعلم عبادة إن أخلصنا فيه النية لله تبارك وتعالى.

فيا أيها الرجل! الذي يقوم من الساعة السابعة، وقبل ذلك يقوم لأداء ما افترض الله عليه من الصلاة وبعد الصلاة، يقوم ليستعد هو وأولاده للعمل والمدرسة! عليك أن تُخلص، وأن تدرس الأبناء لا ليأخذوا امتيازاً ولا لينالوا الشهادة، ولا ليكونوا غداً موظفين مرموقين.

ولهذا أسأل هذه الأفواج الهائلة من أبنائنا وشبابنا وطلابنا في المدارس والجامعات: لماذا تدرس يا أخي؟ وما هوايتك؟

يريد أن يكون أحسن طبيب، وهذا يريد أن يكون أحسن مهندس، وهذا يريد أن يكون دكتوراً يُشار إليه بالبنان، وهذا وهذا وهذا اهتمامات.

أين الذي يقول: أنا أريد أن أعمل ابتغاء وجه الله، أخلص لله، أطلب العلم لرضا الله، ثم أعمل فيما يُرضي الله -عز وجل- ولأخدم الإسلام وديني قبل كل شيء، ولأكون جندياً في ميدان الإسلام، وأن أخدمه عن طريق عملي وعلمي ووظيفتي؟

وليس معنى ذلك أننا لا ندرس أو لا نأخذ الشهادات العليا، أو لا نمتهن مهنة الطب أو الهندسة! لا، الأمة بحاجة إلينا؛ لكن علينا -نحن- أن نخلص، ولا ينافي الإخلاص أنك تطلب هذا العلم أو العمل الدنيوي لوجه الله.

لكن عليك أن تحسن النية، أن تعمل لكن ابتغاء ثواب الله، وما يأتيك من أمور الدنيا: من الشهادة، والعمل، والمرتبة، والوظيفة، والترقية؛ فهذا من حظك ومن نصيبك ومن توفيق الله لك، لكن لا يكن قصدك هو هذا، على معنى أنه إن لم يحصل هذا فإنك تحجم.

فيا أيها الإخوة! علينا أن نتواصى بهذا الأمر، وفهم الإخلاص يجب أن يكون دقيقاً، وليس معنى الإخلاص ترك العمل، أو ترك الدنيا!! لا، نريد من الإنسان أن يعمل في الوظيفة في التجارة في الطب، وأن يأخذ الشهادات العليا؛ لكن مع ذلك نذكره بإخلاص النية، والعمل لوجه الله، وما يأتي من أمور الدنيا فإنه تبع، ووسيلة وليس هذا هو الهم الأول والأخير، وإنما من وفق:

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا وأقبح الكفر والإفلاس في الرجل