للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة لمن يبحث عن عيوب العلماء ويطعن فيهم]

السؤال

أكثر من سائل يريدون توجيهاً إلى بعض الشباب الذين جعلوا ديدنهم البحث عن معايب بعض العلماء والطعن فيهم؟

الجواب

على كل حال! هذه قضية مهمة جداً، وينبغي أن يتواصى فيها طلاب العلم؛ لأن المسلم إنما يبحث في هذه الحياة عن رضا الله، وما يقربه إلى الله، وعليه أن يسأل عن الحق الذي يُقربه إلى الله تبارك وتعالى، ولا ينبغي للإنسان أن يعلم أو يعمل على ضوء أمرٍ يخالف كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وطلاب العلم هم القدوة الذين ينبغي أن يقتدي بهم الناس في ضبط أوقاتهم، وعفة ألسنتهم، وسلامة قلوبهم من بعضهم لبعض، الخطأ ينبغي أن يبين للناس كائناً من كان، فليس أحدٌ معصوماً، وكل ابن آدم خطاء، فعلينا أن نبين الخطأ لكن ليس من ضرورة بيان الخطأ أن أقول: أخطأ فلان على الملأ.

ينبغي أن يكون بين طلبة العلم ورائدهم الإخلاص لله عز وجل في كل أعمالهم، في طلبهم للحق وفي بحثهم عنه، وفي تحريهم إياه، وفي السؤال عنه، فلا تقع في عرض مسلم لتتشهى في الوقيعة به، أو لتدمر مجلسك بالغيبة والنميمة لفلان وفلان، هؤلاء لا علينا من أعراضهم، لكن اربطوا أنفسكم -أيها الإخوة- بالمنهج، واربطوا أنفسكم بالدليل، فمن خالف الدليل ينبغي أن يُردَّ عليه، وأن يُعرف مأخذه، وإن كان في المسائل الاجتهادية فلا بأس بعذره، ولا يجعل من وسائل الخلاف الاجتهادية والوسائل التي فيها سعة وللرأي فيها مجال، لا ينبغي أن تكون مثارة خلاف، اختلف الصحابة واختلف الأئمة، ولكن كانت القلوب سليمة.

أما المناهج الوافدة، والأحزاب المخالفة للحق، ومن يريدون أن يدعوا إلى أنفسهم، أو يدعوا إلى تكثير سوادهم، والأمة على خطر منهم، فينبغي أن تبين المناهج المخالفة، وإن لم تُسمَّ بأسمائها، وإن لم يسم أصحابها بأشخاصهم، فالأشخاص بينهم وبين الله، فالله عز وجل هو الذي يطلع على نياتهم ومقاصدهم، فنحن لا نقول: فلان يريد كذا، ولا يريد كذا، لكن عمله وعلمه وسريرته عند الله تبارك وتعالى.

لكني أقول: إن الأسلوب -مثلاً- في مواجهة إنكار المنكر، وما يترتب عليه من ضرر أسلوبٌ خاطئ، وقد جُرِّب في كثير من البلدان فلم ينفع وإنما سبب الضرر، فالعقل والنقل والشرع والقواعد والمقاصد الشرعية كلها تدل على أنه ينبغي أن يوضع لكل مقامٍ مقال، ولا ينافي هذا أن يبين الحق للناس، لكن ليس من الضرورة أن يبين بأسلوبٍ قد يجر عليك وعلى دعوتك وعلى إخوانك المسلمين ضرر، فالبيان والبلاغ درجات ومراتب، وكلٌ يعرف المرتبة المناسبة له، فليس من الحكمة أن تتكلم مع عامة الناس فيما يحتاجه الخاصة، ولا تتكلم مع الخاصة في أمورٍ لا تناسبهم أو بأسلوبٍ لا يناسبهم، فينبغي أن يضع الداعية الحكيم لكل مقام موضوعاً، وحالة تناسبه، ولكل حالة لبوسها، ولكل مقامٍ مقال.

ولكن أيها الإخوة! لا ينبغي أن يُؤدِّي الخلاف في وجهات النظر، أو في الآراء، أو في المسائل الاجتهادية أن ينقلب ذلك إلى عداوات شخصية، وإلى إحن وردود، ومخالفات بأساليب، يلتمس القارئ لها أن العاطفة أو الاندفاع أو عدم الأسلوب العلمي الهادئ الرزين المؤصل أنه هو المنهج الذي يسلك في هذا.

فعلى كل حال! أوصي نفسي والحاضرين أن نُعمِّر أوقاتنا، وأن نضبط أنفسنا، وأن نحفظ الود لإخواننا في الله مهما خالفونا، هذا ينبغي أن يسير عليه الناس، فليس الناس كلهم نسخة واحدة.

أنا أعلم أن في المجلس من يحضر، لكنه قد يكون يرى آراء معينة تخالف رأي المتحدث، لكنه لم يمنعه ذلك من الحضور والسماع، ثم لا يمنعني ذلك أن أقول: إني أحب ذلك الرجل في الله وإن خالف في هذا الرأي ما دام أن عقيدته عقيدة صحيحة، ومنهجه منهج سليم والحمد لله، فعلى ماذا الخلاف؟

إذا كان في الأساليب ووجهات النظر، وكلٌ سيعرف مدى نجاحه في أسلوبه أو عدمه اليوم أو غداً؟

لكننا نتواصى في المنهج الحق، والسير على منهج السلف الصالح، والأخذ من علمائنا -وفقهم الله- فهم أعلم منا وأكثر خبرة وتجربة.

ثم علينا أن نحرص على اجتماع الكلمة، وترك الفوضى والاضطراب الفكري، والخلل والبلبلة بين الناس وبين الدعاة، ليست أمراً محموداً لا للمجتمع ولا للبلاد ولا للعباد ولا للدعوة نفسها، فينبغي أن يربأ الناس بأنفسهم عن هذه الأمور، ويعلموا أن كل ضرر يتسبب في أحد من الناس بسبب دعوته وأسلوبه الخاطئ، ينبغي أن يتحمله وأن يراجع نفسه، وأن يستفيد الناس من الناس في الدروس، وأن يكون لهم في الأحداث عبر، ومع ذلك لا يقعون في المجالس عرضة لطلاب العلم، ولا العلماء، فهذا مجانبة للصواب، فيجلسون في المجالس وكأنهم أحمد بن حنبل وابن حجر ويحيى بن معين والذهبي وغيره، ليس هذا بصحيح، وهذا من قلة البضاعة وقلة الإيمان، ويخشى أن يكون ذلك من إفرازات عدم إخلاصهم، فلو أخلصوا لواجهوا، لا تدوس الناس في المجالس، ولا تطرح كرامة الناس وتدوس بكرامتهم في مجالسك الخاصة، وتربي شبابك وأبناءك وأقاربك وإخوانك ومحبيك على هذا، لكنك واجه الناس -إن كنت شجاعاً- بالأسلوب والحجة، فالحكمة ضالة المؤمن.

وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختفٌ جداً

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً

ولا أحمل الحقد الدفين عليهم وليس شريف القوم من يحمل الحقدا

بلينا بأحقاد وحزازات وحسد وبغضاء وأمور لا يعلمها إلا الله، فنسأل الله أن يتداركنا بعفوه، وأن يجمع قلوبنا على طاعته.

إلى متى أيها الشباب؟

وإلى متى أيها الدعاة؟

وإلى متى نغتر بمن نعلم أنه يخالف ما عليه السلف الصالح رحمهم الله؟

على أننا ينبغي ألا نخوض في عرض مسلم، وألا نتهم قصد أحد؛ بل نكل الأمور إلى الله، ونكل السرائر إلى الله سبحانه وتعالى، فبئست البضاعة أن تُدِّمر المجالس بالغيبة والنميمة، لا سيما إذا كانت والوقيعة في طلاب العلم وقيعة خطيرة، ولحومهم مسمومة كما قال ذلك ابن عساكر رحمه الله؛ فعليك أن تحذر من الوقوع فيهم، ويخشى على من هذه حاله أن يُعاجله الله بموت القلب، ولهذا نجد الذين هذه بضاعتهم أعياهم العلم، فلا هم مبرزون في العلم ولا هم مبرزون في الدعوة إلى الله، ولا هم حلوا الساحة ودعوا إلى الله بأسلوبٍ حسن، وإنما يجلسون -فقط- يتفكهون في أعراض الناس وبئست البضاعة!! فعليكم بتقوى الله والخوف من الله.

أين الخوف من الله؟

وأين الإيمان وأين الرقابة؟!

ألا تخشى أن يسألك الله عز وجل وأنت تقع في عرض مسلم، قد يكون أتقى وأعلم وأحرص منك على الخير للأمة، وقد يعلم ويعمل وأنت لا تعلم، أتريدون من الناس أن يكشفون أوراقهم في كل مجلس؟!

هناك جنود مجهولون ينصحون لله ولرسوله ولولاة أمر المسلمين وللعامة، وينذرون أنفسهم، وهم قد لا يكونون معلومين لدى كثيرٍ من الناس، فعلينا أن نضبط أنفسنا -أيها الإخوة- وتصرفاتنا، وأن نكف عن هذه المجالس التي يكفي أنها معمورة على كبائر الذنوب من الغيبة والحسد والبغضاء.

أما إذا كان الأمر لقصد بيان حق أو لبيان خطأ وقع فيه إنسان أو جماعة أو فرد أو أناس؛ فينبغي أن يبين الخطأ، كمنهج ينهج، لكن ليس علينا من الأشخاص ولا من الذوات، وإنما الإنسان يبين الحق ويقصد اتباعه، ويجرد قلبه من الغل والحقد لأحدٍ من إخوانه المسلمين من كانوا.

لعل هذا هو المنهج المعتدل الذي أعلمه من منهج سلف هذه الأمة رحمهم الله، وهو الذي عليه مشايخنا وعلماؤنا وفقهم الله، ووفق الجميع لما فيه الخير والسلام.