للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنزال أهل العلم منازلهم]

أيها الأحبة في الله: إن في سير العلماء خبرٌ أيُّ خبر! وإن في تراجم العظماء عبرٌ أيُّ عبر! وإن في أحوال النبلاء مُدَّكَرٌ أيُّ مُدَّكَر! هم صفحةٌ ناصعة ينبغي أن يمتثلها الجيل اليوم وأن يسيروا على ضوئها وأن يقتبسوا من نورها في عصرٍ طغت فيه الماديات، وكثر فيه تلميع أهل الباطل، والإقلال من أهل الخير والحق عند كثيرٍ من الناس، فينبغي أن يُبْرَز أولئك وأن يُبَيَّنوا للأمة لشبابِها وشيبِها، ولعلمائها وعامتِها، ليُعَرَف فضلهم على الأمة.

أيها الإخوة: إن في تاريخ الإسلام العظيم كوكبةٌ من علماء الشريعة بذلوا جهودهم للتحصيل العلمي، وبذلوا أنفسهم وأوقاتهم في طلب العلم ونشره وبذله للناس.

مِن علماء سلفنا الصالح -رحمهم الله- أمثال: الإمام أحمد رحمه الله، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والأئمة الكرام الذين برزوا في فنونٍ شتى، في فنون العقيدة والفِرَق، والحديث درايةً ورواية، والفقه، والأحكام، وأصول الفقه، واللغة العربية، وعلم التفسير، وعلوم القرآن، وعلم الأدب وغير ذلك من العلوم النافعة.

فأمة الإسلام أمةٌ معطاءة خرَّجت العلماء والزعماء والقادة والعظماء والأدباء والنبلاء، وتاريخ الإسلام زاخر بهؤلاء الأئمة، فيجب علينا أن نعرف قدرهم وفضلهم، وأن نستفيد منهم وأن نرتبط بمنهجهم، وأن نسير على ما ساروا عليه؛ لأنهم أسبقُ منا وأرسخ قدماً في العلم، وأكثر خبرةً وتجربة وعمقاً في الأمور والنظر إلى العواقب والحكمة في طريق العلم والدعوة، والموقف من المخالف وما إلى ذلك من الأمور المهمة التي ينبغي علينا جميعاً أن نحرص على تجليتها حينما نتحدث عن سِيَر هؤلاء العلماء.

إن في علمائنا المعاصرين من مشائخنا وكبار علمائنا لَمَنهجاً وأسوةً وقدوة ينبغي أن يستفيد شبابنا منهم، وحينما نقول ذلك لا نقول: إننا نغلو بهم، ولا نقول: إننا ندعي لهم العصمة، لكننا نعرف لهم فضلهم وسبقهم ولا خير في أمة لا يعرف شبابُها قدر علمائها، ولا خير في أمة لا يعرف ناشئتُها مكانة كبار علمائها.

ويؤسفنا أن نسمع عن هؤلاء العلماء من يقول: إن فيهم وفيهم، وإنهم رجالٌ ونحن رجال، وإنهم لا يعرفون شيئاً من أمور العصر أو أمور الواقع أو غير ذلك من الأمور، وما أُتِيَ أولئك إلا مِن قِبَل جهلهم، وإلا مِن قِبَل سوء أدبهم مع علمائهم وتقديرهم لأهل الفضل منهم، ولا تسأل عما يعيشه هؤلاء من فُرقةً وخلاف وتخبطٍ في الجديد من المشارب والحديث من المذاهب.