للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثناء الناس على الشيخ عبد الرزاق]

الشيخ رحمه الله ممن كَتَب الله له القبول في الأرض، ووضع الله له محبة الناس على اختلاف درجاتهم، فمِن الملك إلى أصغر الناس كان يحظى بتقديرهم، وثناء الناس عليه، الملك عبد العزيز رحمه الله كان له درس في قصره في يوم الأربعاء ليلة الخميس، وكان العلماء يجتمعون عنده، وكان يطلب من الشيخ عبد الرزاق رحمه الله أن يلقي درساً وموعظة فيستريح لها الملك ويدعو له كثيراً.

نال الشيخ شهادة تقدير من ملك مصر فؤاد، ومن ملكها فاروق على مستوىً كبير، وما ذاك إلا لإخلاصه وحرصه ورغبته ونشاطه وإفادته البلاد والعباد بمنهجٍ سليم.

وما عرفتُ أحداً إلا ويُثني على الشيخ وطلابه وتلاميذه يثنون عليه كثيراً.

وهو كذلك يُثني على غيره، يحبُّ غيره ولا يتكلم في عرض أحد، بل يذكر الناس بالخير والجميل.

والحقيقة أني لا أريد الإفاضة، لكني سأقتصر فيما بقي على اختصارٍ شديد.

والشيخ عنده من الورع ما لا يوجد عند كثيرٍ من علمائنا اليوم، لا في منزله، ولا في بيته، ولا في سيارته، ولم يعرف ما عرفه الناس من خدم وحشم وسائقين وسيارات، وقصور، إلى غير ذلك من الأمور، بل آثر ما عند الله تبارك وتعالى.

وأيضاً مِن أهم جوانب حياة الشيخ: بُعده عن الأضواء والشهرة والظهور.

ومن أهم منهج الشيخ أيضاً، وما يتميز به: أنه رجل موسوعي عميق العلم، عميق العلم في الاعتقاد، إذا تحدث كأنك تسمع وتقرأ لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأقول ذلك بلا مبالغة، حتى إنه رحمه الله يقول: أنا ما رأيت من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ما قرأتُ لعالمٍ من علماء السلف إلا وأرى أن له سلف، لكن شيخ الإسلام رحمه الله كان يأتي بمنهجٍ سليمٍ مؤصَّل، على ضوء الكتاب والسنة، على ضوء صحيح المنقول وصريح المعقول.

كان الشيخ رحمه الله قليل الكلام، لكنه يتكلم بمجامع وجوامع الكلم، يتحدث بما يفيد، لا يعرف الثرثرة، ولا كثرة الكلام، ولا الكلام الإنشائي الذي يستطيع أقرانه ويستطيع أصغر الناس اليوم أن يتحدث به ساعاتٍ طويلة؛ لكنك لا تجد طائلاً منه، أما الشيخ فيتكلم كلاماً قليلاً لكن لو أراد الناس أن يشرحوها لشرحوها في كتب ومجلدات.

كان الشيخ يؤصِّل تأصيلاً علمياً، يعتني بالدليل، ويؤصِّل المسائل، وكان الشيخ يعتني بتحرير الخلاف وتحرير محل النزاع وتحقيق المناط في المسائل، يرى أن ذلك يغني عن كلامٍ كثير في عدد من المسائل، حتى لربما أتاه الطلاب فكان يقول: انظر المسألة في كتاب كذا وكذا.

كان الشيخ رحمه الله لا يعتني بكثرة الكتب، ولم تكن عنده مكتبةٌ كبيرة، بل كان عنده أمهات الكتب فقط، وكان يحرص على أن يقرأ القرآن ويقرأ كتب السنة والأمهات، ولا يعتني بالكتب المعاصرة البتة، ويرى أنها لا تفيد، على كل حال هذا رأي الشيخ رحمه الله؛ لأنه يرى أن الأول لم يترك للآخِر شيئاً؛ لكن لا يمنع أن يستفيد الإنسان من كتب غيره؛ لكن أقصد أن هذه الكتب التي يعتني بها الناس اليوم -الكتب الفكرية، وحتى الكتب المعاصرة، وحتى الكتب العلمية- يرى أن الأوائل كفَوا في هذا المجال.

وكان رحمه الله يحفظ كثيراً، حتى إنه في السنين الأخيرة قد لا يطالع كتباً، وكان يقرأ من حفظه، وكان يدرس من حفظه، وما ذاك إلا لذكائه وموهبته وسعة حافظته رحمه الله.