للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اللقاءات مشاعل على طريق التوجيه والإرشاد]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه وصفوته من رسله، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، أرسله الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فصلوات الله وسلامه عليه؛ ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات الله وسلامه عليه؛ ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار، المهاجرون منهم والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الإخوة الأحبة في الله! إنها لفرصة مباركة ومناسبة سعيدة أن يمن الله علينا بهذا اللقاء الطيب المبارك بكم في رحاب هذا البيت المبارك من بيوت {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:٣٦ - ٣٧].

ألا ما أمتع هذه اللقاءات! وما أجمل هذه المناسبات؛ لأنها مناسبات تقوم على أساس التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، تقوم على أساس غذاء القلوب، وتحقيق الخير لأنفسنا ولمجتمعنا ولأمتنا؛ لأننا جمعياً ندرك عظم المسئولية الملقاة على عواتقنا، وما هذه اللقاءات المباركة؛ إلا مشاعل على طريق التوجيه والإرشاد، بها تشحذ الهمم وتقوى العزائم، وبها يحس المسلم أن عليه واجباً عظيماً مع إخوانه المسلمين وتجاه إخوانه في الله في كل مكان؛ لأن الدين هو الذي يجمعنا، وآصرة الإسلام هي التي تربطنا قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] وقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١] وقال صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}

وقال الشاعر:

إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذبٌ تحدر من غمام واحد

أو يختلف نسب يؤلف بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالد

فليست العبرة بالأنساب والأحساب، وليست العبرة بالروابط المادية والعلاقات القبلية وإنما القضية قضية إخوة إسلامية تجمع الناس؛ وإن تباعدت أقطارهم، ونأت ديارهم واختلفت أجناسهم قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩] وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣].

ألا ما أحوج القلوب! وما أشد حاجة النفوس؛ إلى أن ترتوي بنمير هذه اللقاءات المباركة، وترتشف من معين هذه المناسبات والجلسات الإيمانية، بعد أن حاولت الحياة المادية أن تحول بين القلوب وبين ربها بذكر الله، وبطاعة الله، وبما يقرب إلى الله تبارك وتعالى.

وحقاً أيها الإخوة! إن القرائح لتتبارى، وإن المشاعر لتتجارى في هذا اللقاء الطيب المبارك، وما غمرني به أهل هذه المدينة المباركين، الذين حرصوا -وفقهم الله- على تكرار الدعوة المرة تلو المرة، فجزاهم الله خيراً على حسن ظنهم بأخيهم، وبارك الله جهودهم، وما ذلك إلا لأن في هذه المدينة رجالاً يحملون الخير لأنفسهم ولبلادهم ولمجتمعهم، يريدون أن يتحقق في هذه اللقاءات الخير والنفع والتعاون على البر والتقوى، وأن تتلاشى الفوارق، وأن تزول ما في النفوس من غل أو أحقاد أو حسد أو بغضاء، وأن تغسل الذنوب بماء التوبة المباركة، وماء المحاسبة للنفوس حتى يكون المسلم قائماً بدينه كما شرع الله عز وجل.

فشكر الله لمحافظ هذه المحافظة، ولأعيانها ولرجالها ولعلمائها ولدعاتها ولشبابها ولنسائها ولكل الحاضرين فيها ما غمروني به من حسن الاستقبال من الحفاوة والإكرام مما أراني لست بقمين له، ولا أرى إلا أني أقول لهم في الله: كبيرهم لي أبٌ، وصغيرهم لي ابنٌ، ومساويهم لي أخ؛ أحبه وأحرص على أن أصله وأزوره لأن العلاقة في الله ولله وبالله.

لست شاعراً وإنما المشاعر تفرض علي في هذا اللقاء الطيب المبارك، في هذا الجمع الذي أراه مد بصري، في هذا البيت من بيوت الله الذين اجتمعوا، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتحقق فينا وفيهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم -وفي رواية- يذكرون الله عز وجل إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده} فنسأل الله ألا يحرمنا وإياكم هذا الثواب، ووالله إن خصلة من هذه الخصال العظيمة؛ لتعدل الدنيا وما فيها، ماذا نريد بعد أن تنزل السكينة؟ وماذا نريد بعد أن تغشانا الرحمة، وأن تحفنا الملائكة، وأن يذكرنا الله فيمن عنده، بعدما ساد القلق والاضطراب والاكتئاب كثيراً من أحوال المسلمين مع الأسف الشديد؟

سلام من المولى البر الرحيم على الفضلاء في روابي تميم

والتحايا معطرات بالشذا العميم لـ حوطة محاطة بالجود والتكريم

والدعوات ترى من الحرم العظيم لبلاد أنجبت رأس باز كريم

والشهم بن فواز فاز بالسبق الهميم وهكذا الكل في العزم والتصميم

وصلِّ إله العرش في التختيم على المصطفى الداعي إلى الدين القويم