للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قضية العقيدة والتوحيد]

أهم هذه القضايا على الإطلاق وأعظمها باتفاق: قضية العقيدة، قضية التوحيد، إفراد الله للعبادة، من أجل ذلك خلقنا، ومن أجل التوحيد أوجدنا قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:٤٠] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ *

الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨].

إن حق ربنا تبارك وتعالى علينا لعظيم، وإن واجبنا تجاهه سبحانه وتعالى لكبير وكبير، يقتضي تحقيق العبودية له سبحانه، ألا ننصرف إلى غيره كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك}.

يا من ألوذ به فيما أؤمله وأستجير به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره

فالله عز وجل هو المتفرد بالخلق والرزق والتدبير، وهو المستحق للعبادة وحده دون سواه، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان:٣٠]

فهل ترى أن المسلمين اليوم أو أن كثيراً منهم حققوا ما من أجله خلقوا؟

إن كثيراً من الناس ضعف إيمانهم وضعفت عقيدتهم وتساهلوا بأمر توحيدهم، كثير منهم يتوجهون إلى غير الله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.

إننا -أمة الإسلام- أمة عقيدة وأمة رسالة، يجب علينا القيام والاضطلاع بهذه القضية المهمة التي هي قضية الوحدانية لله، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وما يستحقه سبحانه وتعالى، وما يجب على المسلم تجاه الإيمان بالله سبحانه بأركانه الستة المعروفة، والقيام بمراقبة الله وحده قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١] والقيام بإخلاص الدين له قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣] وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥].

يجب على المسلم أن يستشعر معية الله ورقابته له سبحانه:

وإذا خلوت بريبة في ظلمة النفس داعية إلى العصياني

فاستحي من نظر الله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

لما حققت الأمة هذه الحقيقة العظيمة دانت لها أمم العالم شرقيه وغربيه، ولما أن قامت بتحقيق الوحدانية لله دكت جيوشها معاقل الكفر والطغيان في كل مكان، هزت عروش القياصرة، وكسرت الأكاسرة وحطمت رايات الوثنية، والإلحاد والبعد عن الله عز وجل وضروب الجاهلية:

بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا

كنا جبالاً فوق الجبال وربما صرنا على متن البحار بحارا

لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والحرب تقذف نارا

ولما مرت السنون، وخفت القلوب، وضيع كثير من المسلمين أمر دينهم؛ هانوا عند الله، هانت عندهم شريعة الله؛ فهانوا عند الله إلا من رحم الله قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:٦٧] زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، إلا من عصم الله.

فعلينا أيها الإخوة أن نعلم أن هذه القضية قضية العبودية لله، قضية الوحدانية لله، هي القضية الكبرى، وهي المهمة العظمى التي يجب علينا أن تكون حياتنا ومماتنا كلها في سبيل تلك القضية المهمة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].