للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإقبال على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم]

القضية الثالثة: أن هذه العقيدة، وهذه العبادة؛ لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق العلم النافع، لا بد أن تعنى الأمة بالعلوم النافعة.

وأهم العلوم: الإقبال على كتاب الله، هذا الكتاب العظيم الذي أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، قال فيه سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم:١] وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:١٥ - ١٦].

هذا القرآن العظيم الذي كتبت الخيرية لمن أقبل عليه وعلمه وتعلمه، ففي الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {خيركم من تعلم القرآن وعلمه} وفي كتاب الله عز وجل النور المبين والهداية في جميع جوانب الحياة، والسعادة والسلامة والقيادة والريادة والشهادة على العالم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣]

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في بيان فضل القرآن كما في صحيح مسلم: {أيكم يريد أن يغدو إلى بطحان أو إلى العقيق -من أودية المدينة - فيرجع بناقتين كوماوين سمينتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ قالوا: يا رسول الله! كلنا يريد ذلك، قال: لَأَنْ يغدو أحدكم إلى بيت من بيوت الله فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين كوماوين سمينتين عظيمتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، وعدادهن من الإبل} فينبغي أن نقبل على كتاب الله، أن نتدبره {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:٢٩]

فتدبر القرآن إن رمت الهدى فالخير تحت تدبر القرآن

وما حصل الضلال في الأمة وتفرقت شيعاً وأحزاباً؛ إلا لما أعرض كثير من الناس عن القرآن، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤] يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [[تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة]].

فالقرآن القرآن يا أمة القرآن! علينا أن ننشأ عليه وأن نتعلمه، وأن نتدبره، وأن نسير على هديه، وأن نحل حلاله، وأن نحرم حرامه، وأن نؤمن بمتشابهه، وأن نعمل بمحكمه، وأن تكون حياتنا كلها مبنية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لتتحقق لنا السعادة.

وليست السعادة بالأموال ولا بالمناصب ولا بالمراتب ولا بالقصور؛ وإنما السعادة بتقوى الله، بالإقبال على الله:

ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد

وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد

إلا إنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم

وليس على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

وأيضاً يجب العناية بالعلوم النافعة: علم الكتاب، وعلم السنة، وعلم التوحيد، وعلم الفقه، وعلم الأحكام، وعلم التفسير، وكل العلوم النافعة التي تصل الإنسان بربه وتعلمه الطريق الصحيح، وتبين له المحجة حتى لا يقع في الضلال والتخبط والضياع والتدهور، الناس موتى وأهل العلم أحياء:

أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه خيرك لو عقلتا

إلى علم تكون به إماماً تطاع إذا أمرت وإن نهيتا

يجب علينا أيها الإخوة أن نعنى بالعلم، وليس المراد العناية بالعلم أن نخرج جميعاً علماء أمثال الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء الإسلام، ولكن ينبغي على المسلم أن يسير في حياته على هدى، وأن يسأل عما يشكل عليه، وأن يتعلم أمور دينه.

لو أن إنساناً يريد أن يشتري قطعة أرض، أو يشتري سيارة، أو يتزوج امرأة؛ لسأل عنها وجلس فترة طويلة يبحث ويحقق وينقب ويدقق؛ لأجل أمر من أمور الدنيا، فما بالكم بأمر الدين أيها الإخوة؟ ينبغي علينا أن نعنى به بحيث لا يقع الإنسان فيما حرم الله.

ويجب على المسلم أن يحل ما أحل الله، ويسير على هدي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الذنوب والمعاصي والمخالفات في أمر الله عز وجل هي السبب فيما أصاب الأمة من وهن واضطراب وتخلف وتدهور وشقاق، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:٩٦] تساهل كثير من الناس بأمور الدين، تساهلوا بأمر توحيد الله عز وجل، يذهب بعضهم حين ضعف إيمانهم إلى السحرة والمشعوذين والكهنة والمنجمين، ويظنون أن أحدا