للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المسئولية الأسرية في تربية الأجيال]

وفي إطار المسئولية الجماعية يأتي دور البيت والأسرة في حمل مسئولية التربية الإسلامية الصحيحة للأجيال المسلمة، وكذا معاقل التعليم المختلفة في تنشئة الطالبات والطلبة، ومسئولية المجتمعات في النهوض بالأفراد، ودور الإعلام في تهذيب الأخلاق والسلوكيات.

إخوة الإيمان: إن مسئولية تربية الأجيال، وإعداد النساء والرجال مسئولية عظمى، وإن قضية العناية بفلذات الأكباد، وثمرات الفؤاد من النشأ والأولاد قضية كبرى يجب على أهل الإسلام أن يولوها كل اهتمامهم؛ لأن مقومات سعادتهم -أفراداً ومجتمعات- منوطة بها.

وإنما أولادنا أكبادنا فلذاتنا تمشي على الأرض.

ولذلك لا بد من الإعداد لها أيما إعداد، رسماً للمناهج، وإعداداً للبرامج، وتظافراً في الجهود، وتولية للأكفاء، لتتم المسئولية التربوية سليمة من تعثر الخطى، بعيدة عن التناقض والازدواجية، محاذرة للتقليد والتبعية، اعتزازاً بشخصيتنا الإسلامية، وشموخاً في مناهجنا الشرعية، مترسمين هدي القرآن الكريم ونهج السنة النبوية.

معاشر الأحبة: إنَّ البيت هو الركيزة الكبرى، وعليه المسئولية العظمى في بناء الفرد، وتقع على كاهله تحديد شخصيات الأبناء، وتكوين ملامحهم الإيمانية، والفكرية، والروحية، والأخلاقية.

فيا أيها المسلمون: ربوا أولادكم منذ نعومة أظفارهم على الإيمان بالله، واجعلوهم يستشعرون الأبعاد الحقيقة لكلمة التوحيد، بحيث يكون إيمانهم نابعاً من يقين ومعايشة، وإدراك لحقيقة الربوبية والألوهية، وفهم واضح لمعنى العبودية.

معاشر المسلمين: إن كثيراً من الأسر مع شديد الأسف لا تعنى كثيراً بتأصيل الفهم العقدي الصحيح، زاعمين أن التوحيد من المسلَّمات البدهية التي لا تحتاج إلى مزيد عناية، وتلك -وايم الله- من التسطيح في النظرة، ومن نتائجها توهين الأسس العقدية الصحيحة في نفوس كثير من الأبناء.

والبيت لا يبتنى إلا له عُمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

فعلى الأسرة أن تجتهد في تصحيح سلوكيات أبنائها، وغرس المثل الإسلامية في نفوسهم، وتأصيل الأخلاق الحميدة التي جاء بها ديننا الحنيف، وليكن الأبوان قدوة حسنة لأبنائهم، فلا يكون هناك تناقض بين ما يمارسونه من سلوك عملي، وبين ما ينصحون به أبناءهم في ظلام وكلام نظري.

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

وإنها لمسئولية عظيمة أن يبني الأبوان شخصية أبنائهم على أساس العقيدة الصحيحة والاعتزاز بمبادئهم وتراث أمتهم، محاطين بالإيمان والهدى والخير والفضيلة، أقوياء في مواجهة المؤثرات المحيطة بهم، لا ينهزمون أمام الباطل، ولا يضعفون أمام التيارات الفكرية الزائفة.

فيا أيها الأباء والأمهات: اتقوا الله في أولادكم، كونوا قدوة لهم في الخير، وإياكم ثم إياكم أن تكلوا عملية تربيتهم للخادمين والخادمات، فهم ضرر على الأسرة لما يحملونه في الغالب من أفكار وأخلاق وعادات ثبت في الواقع خطرها، وثبت لدى كل غيور شرها وضررها، أبعدوهم عن قرناء السوء، تابعوهم في صلواتهم، وخلواتهم، وجلواتهم، كونوا الرقابة المكثفة المقرونة بمشاعل المحبة والحنان والشفقة.

حذارِ أن تتسلل إلى الأسرة ألوان من الغزو الفكري والأخلاقي، فتهدم ما بنيتموه، وتنقض ما شيدتموه، نشِّئوهم على الخير والفضيلة والهدى، والبعد عن الرذيلة والشر والردى.

أيها المسلمون: كما تشمل المسئولية الأسرية حسن اختيار الزوجين على أساس الدين والأمانة والخلق، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} رواه الترمذي وابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وبهذا الاختيار الحسَنَ، ينشأ جيل من الأفراد الصالحين الذين يحققون العبودية الخالصة لله رب العالمين.

كما تتضمن المسئولية الأسرية، حُسنُ العشرة بين الزوجين، والقيام بالواجبات، وأداء الحقوق، والتعاهد على التربية، يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].

فكيف يهنأ والد بالعيش وهذا الوعيد الشديد يطرق سمعه، وهذه العاقبة المحزنة تهدد أولاده، ألا فليتقِ الله القوَّامون على النساء من الأزواج والآباء، فليربوهنَّ وليأخذوا على أيديهنَّ، ويلزموهن بالقرار في البيوت والحجاب الشرعي، حتى لا يُفَتَنَّ ولا يَفتِنَّ، فيأتين على بنيان التربية من القواعد، وإن من الخطأ كل الخطأ والخيانة في الأمانة، إهمال قضايا المرأة في حجابها وعفافها واختلاطها بالرجال، والانسياق المحموم وراء الأزياء والموضات دون رقيب ولا حسيب.

وتتضمن المسئولية الأسرية -يا عباد الله- تسهيل أمور الزواج وعدم المغالاة في المهور وتكاليف الزواج، والإسراف والتبذير وما يقع من منكرات في الأفراح.

فيا أهل العفة والغيرة والحياء! يا أرباب الشهامة والرجولة والإباء! أليس هذا من الغش والخيانة، والتساهل في القيام بالمسئولية.