للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[عقيدة الإسلام]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا إليه صراطاً مستقيماً، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة، فجزاه الله عن أمته خير ما جزى نبياً عن قومه، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المسلمون! اتقوا الله تبارك وتعالى واشكروه على ما هداكم للإسلام وجعلكم من أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام.

عباد الله! إن أعظم نعمة أنعم الله بها علينا نعمة الإسلام، ذلكم الدين القويم، والصراط المستقيم، الذي خلق الله خلقه لأجله وبه أرسل رسله وبه أنزل كتبه ولا يقبل الله من أحد ديناً سواه {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥]، أتمه وأكمله وارتضاه ولا يقبل من أحد ديناً سواه، والاستسلام المطلق والانقياد التام لله جل وعلا قولاً وفعلاً واعتقاداً، تضمنت تعاليمه السمحة ومبادئه السامية كل ما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد، فيه صلاح النفوس والقلوب، ونور العقول والبصائر، وسعادة الأفراد والمجتمعات والأمم، وتحقيق الأمن والاطمئنان للبشرية جميعاً.

أيها المسلمون! يقوم هذا الدين على أصل عظيم وأساس متين، ألا وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة، وإخلاص العبادة له وحده دون سواه، وتخليصها من كل شائبة، وتجريد المتابعة للحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسد كل طريق يوصل إلى ثلم العقيدة أو إضعاف التوحيد أو الإخلال بالمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أكد الإسلام على هذا الجانب تأكيداً بالغاً، بل لم يحظ جانبٌ في الإسلام بمثل ما حظي به الجانب العقدي، وما ذاك إلا لأنه القاعدة الكبرى التي تنبني عليها الأقوال والأفعال، ولقد كان هذا الأمر مفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، ومحل عناية القرآن الكريم والسنة النبوية قولاً وفعلاً ومنهاجاً ودعوة، فالمسلم الحق يعتقد أن الله سبحانه هو الخالق الرازق المعبود المالك المتصرف المحيي المميت الضار النافع، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن أحداً لا يستطيع أن يجلب نفعاً أو يدفع ضرراً من دون الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:١٧]، وأنه جل وعلا متصف بكل كمال منزه عن كل نقص، له الأسماء الحسنى والصفات العلى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].

فلا يجوز صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، فهو سبحانه يعطي ويمنع، ويضر وينفع، والعبادات كلها من صلاة وطواف ودعاءٍ ونذر وذبح واستغاثة وحلف واستعاذة وغيرها كل ذلك محض حقه سبحانه لا شريك له {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:٣٦]، بذلك طهر الإسلام النفوس، وأعلى مكانتها، وحارب ما يناقض ذلك ويضاده من ضروب الإشراك بالله {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٨]، حتى لا تنحط النفوس إلى عبادة من لا يملك لنفسه شيئاً فضلاً عن أن يملك لنفسه ضراً أو نفعاً أو موتاً أو حياة أو نشورا، وحتى لا تخضع القلوب إلا لمن له الملك والخلق والأمر والعبادة وحده جل جلاله.

هكذا جاء الإسلام بهذه العقيدة الصافية وهذا التوحيد الخالص؛ ليخرج الناس من ظلمات الجهل والشرك والضلالة والأوهام والأباطيل ويرفع النفوس من هوة الشرك وحضيض الوثنية وهوة الكفر والإلحاد إلى نور الحق والإيمان.