للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبادرة إلى معالجة الأخطاء وإصلاح الأوضاع]

أيها الإخوة! القضية الأخيرة أن نعلم أن الواجب علينا أن نبادر إلى تصحيح أحوالنا، وإلى معالجة أخطائنا، وإلى إصلاح أوضاعنا بما يقربنا إلى الله، إلى متى الغفلة عما شرع الله؟ إلى متى يستمر الإنسان حبيس شهواته وملذاته يركب كل رغباته وما يريده؟ ولو لم يسأل عن حل هذا الأمر وحرمته، فعليك أيها المسلم أن تعلم أن هذه الدار؛ دار ابتلاء وامتحان، وأن هناك موتاً سيجهز عليك، فعليك أن تستعد لهذا القادم الذي يريد أن يفاجئك في ليل أو نهار قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:٤٩].

حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار

بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار

هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

نأمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى عما نرجيه أقرب

ونبني القصور المشمخرات في العلا وفي علمنا أنا نموت وتخرب

إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا في كل يوم واعظ الموت يندب

فالله كم غادٍ حبيب ورائح نشيعه للقبر والدمع يسكب

نهيل عليه الترب حتى كأنه عدو وفي الأحشاء نار تلهب

وبعد الموت حشر ونشر وسؤال وعرض على الواحد القهار جل جلاله، فعلينا أن نعد للأمر عدته يوم تزلزل الأرض زلزالها، يوم تحدث أخبارها بأن تشهد على كل عبد أو أمة ماذا عمل على ظهرها تقول: عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا.

فأعد أخي المسلم للسؤال جواباً فوالله {لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه}.

مصير المؤمنين الموحدين الطائعين المشمرين:

يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلانِ

يا سلعة الرحمن هل من خاطب فالمهر قبل الموت ذو إمكانِ

يا سلعة الرحمن أين المشتري؟ فلقد عرضت بأيسر الأثمانِ

يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنانِ

فعلينا -أيها الإخوة- أن نسعى إلى العمل الصالح الذي يقربنا إلى الله، وأن نبتعد عن أسباب الهلاك، وعن موارد العطب، وعن الأمور التي تقربنا إلى النار والعياذ بالله.

أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم للتوبة النصوح.

من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط

هاهو ربنا تبارك وتعالى ينادينا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهُِ} [الزمر:٥٣] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل} وقال صلى الله عليه وسلم: {لَلهَ أفرح بتوبة عبده من رجل كان في أرض فلاة وأضل راحلته ثم وجدها وعليها طعامه وشرابه بعد أن أيس منها ثم قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك؛ أخطأ من شدة الفرح} فالله أرحم بعباده من الوالدة بولدها.

هاهو سبحانه وتعالى يناديكم، عطاؤه جل وعلا ممنوح، وبابه مفتوح، وفضله يغدو ويروح، فأين المشمرون؟ إلى متى نستمر في الغفلة والبعد عن الله والإعراض؟

يا من اغتر بشبابه! يا من اغتر بماله! يا من اغتر بصحته! أعد للأمر عدته:

فالموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

إن علينا وقد سمعنا أن نقول: سمعنا وأطعنا، وأن نستجيب لأمر الله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١] من تنفع فيه الموعظة؟ من يبدأ بعد أن يخرج منها في محاسبة نفسه، والتوبة إلى الله، وعرض نفسه ووقته أمام الهدي والميزان الشرعي، فما قصر فيه تاب إلى الله وأناب، وما تقرب فيه إلى الله زاد واستجاب قال تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [الشورى:٤٧] وهذا هو شأن المسلم يحاسب نفسه ويقومها على شرع الله.

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر على الله {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨].

جعلني الله وإياكم من الهداة المهتدين، وجعلنا وإياكم بمنه وكرمه من أهل الخير والفضل والعلم والصلاح والإصلاح الذين ينفع الله بهم أنفسهم وينفع بهم مجتمعاتهم وأمتهم، شكر الله لكم حضوركم وإنصاتكم، ولا أكتمكم علم الله فرحتي واغتباطي وابتهاجي وسروري بهذا اللقاء الطيب المبارك، بما لا أستطيع أن أعبر عنه بما غمرت به من الفرح والابتهاج وكرم الضيافة وحسن الاستقبال مما حقيقة كنت لم أتوقعه، وأنا في الحقيقة أعتذر عن تقصيري ومماطلتي في زيارتي لكم، وأرى أن زيارتي لكم الآن وقد تحققت بحمد الله أنها من منطلق الواجب علينا، فهي والله ليست تفضلاً فالواجب عظيم والمسئولية كبيرة على أهل ال