للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل صيام يوم عاشوراء]

الحمد لله الملك القدوس السلام، مجري الليالي والأيام، ومجدد الشهور والأعوام، أحمده تعالى وأشكره على ما هدانا للإسلام.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل شهر المحرم فاتحة شهور العام، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، سيد الأنام، وبدر التمام، ومسك الختام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله البررة الكرام، وصحبه الأئمة الأعلام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله: وتمسكوا بدينكم، فهو عصمة أمركم، وتاج عزكم، ورمز قوتكم، وسبب نصركم.

واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة في الله: إشارة رابعة إلى فاتحة شهور العام؛ شهر الله المحرم، إنه من أعظم شهور الله جل وعلا، عظيم المكانة، قديم الحرمة، رأس العام، من أشهر الله الحرم، فيه نصر الله موسى وقومه على فرعون وملئه.

ومن فضائله: أن الأعمال الصالحة فيه لها فضل عظيم، لا سيما الصيام، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل}.

وأفضل أيام هذا الشهر -يا عباد الله- يوم عاشوراء، في الصحيحين: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه}.

وفي صحيح مسلم: عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: {أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله} الله أكبر! يا له من فضل عظيم، لا يفوته إلا محروم!

وقد عزم صلى الله عليه وسلم على أن يصوم يوماً قبله مخالفة لأهل الكتاب، فقال صلى الله عليه وسلم: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} خرَّجه مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

لذا فيستحب للمسلمين أن يصوموا ذلك اليوم اقتداءً بأنبياء الله، وطلباً لثواب الله، وأن يصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده مخالفة لليهود، وعملاً بما استقرت عليه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

فياله من عمل قليل، وأجر كبير وكثير من المنعم المتفضل سبحانه!

إن ذلك -أيها الأحبة في الله- لَمِن شُكْر الله عزَّ وجلَّ على نعمه، واستفتاح هذا العام بعمل من أفضل الأعمال الصالحة التي يُرجى فيها ثواب الله سبحانه وتعالى، والكيِّس الواعي والحصيف اللبيب يدرك أنه كسب عظيم ينبغي أن يتوج به صحائف أعماله.

فيا لَفوز المشمرين!

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم بمنه وكرمه.

هذا واعلموا -رحمكم الله- أن من أفضل الطاعات، وأشرف القربات، كثرة صلاتكم وسلامكم على خير البريات، صاحب المعجزات الباهرات، والآيات البينات، فقد أمركم بذلك ربكم جلَّ وعلا فقال تعالى قولاً كريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله.

وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، ذوي المقام العلي؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا.

اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.

اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم مجري السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، اهزم أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم عليك باليهود فإنهم لا يعجزونك.

اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق.

اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وكشمير، والشيشان، وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسن، وقنا عذاب النار.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.