للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة للرجوع إلى الوسطية]

الحمد لله منّ علينا فجعلنا أمة وسطاً، أحمده سبحانه تعالى أن يقول غلطاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تقدس أن يقضي لغطاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنزل عليه قول ربه سبحانه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨].

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا منهجاً وسطاً، فلا تجاوز ولا شطط، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وحث في نصرة الدين الخطا.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله! وتحلوا بالمنهج الوسط كما شرع الله، واستقيموا على الوسطية كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار على ذلك سلفكم الصالح عليهم رضوان الله.

أيها الإخوة في الله! ولم تقف وسطية الإسلام على أمور العبادات من طهارة وصلاة ونحوها فحسب، بل تعدتها إلى العادات والمعاملات واللباس والطعام والنوم وغيرها في تنظيمٍ شاملٍ لشتى مناحي الحياة.

أيها الإخوة والأخوات! وثمة مجال آخر برزت فيه وسطية هذه الأمة، في جانب من أهم جوانبها ألا وهو الجانب المتعلق بالمرأة: فجاءت هذه الشريعة الغراء والمرأة مظلومة بين جاهليتين، فكَرَّمتها وحفظت حقوقها وسمت بها أن تكون أجيرة، وصانتها من الوقوع في مستنقعات الرذيلة، وكفلت لها حريتها الشرعية، ونأت بها عن مسالك التحرر من القيم والهبوط إلى براثين الإباحية والانحلال، والانسلاخ من الفضائل وسلوك مسالك التبرج والسفور والاختلاط المحرم.

غير أن ثمة ملحظاً أخيراً مهماً يا عباد الله! وهو: أن الوسطية في الإسلام لا تخضع للأهواء والرغبات، فليست تنصلاً من الثوابت والمقومات، ولا تمرداً على المبادئ والأهداف والغايات، وإنما تضبط بضوابط الشريعة، فمن الناس من يحمل على كل ملتزم بدينه -لا سيما من أهل الخير والحسبة والإصلاح- ويصفهم بالغلو والتزمت، فمن يلتزم بالسنة باطناً وظاهراً فهو عندهم متحجر متشدد، ومن يدعو إلى الإسلام غالٍ متنطع، والغيورون عليه رجعيون متأخرون، أما المنهزمون المنفلتون من المثل، المفرطون بالقيم، المتلاعبون بالثوابت والمبادئ، فهؤلاء عندهم متمتعون بسعة الأفق، متحررون متنورون، متطورون متفتحون على الآفاق المعاصرة، واقعيون في النظر والسلوك؛ ولعمر الحق إن هذا نوع من التطرف المحموم والفكر المسموم، في مقابل نوع غير متاكفئ من الغلو المذموم، مما يحمل طلاب الوسطية على الاعتدال بين ذينك الطرفين، والدعوة موجهة من بلاد الوسطية، حساً ومعنى، مكاناً وزماناً، عقيدة ومنهاجاً، زادها الله خيراً وهدى وتوفيقاً.

إلى أن يفيء العالم إلى ظِلال هذه الوسطية المتألقة، ليحقق لنفسه ومن حوله الخير والسلام، وليعيش الناس في أمن وأمان وإخاء ووئام: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٢١].

ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على إمام الحنيفية المبعوث بالاعتدال والوسطية، كما أمركم بذلك ربكم رب البرية، فقال تعالى في محكم تنزيله، وأصدق قيله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وأشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحبه وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم هيئ له من لدنك معيناً وظهيراً يا ذا الجلال والإكرام! اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لاتباع كتابك، وتحكيم سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

اللهم فارج الهم، كاشف الغم، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، نسألك اللهم رحمة من عندك تغنينا عن رحمة من سواك، اللهم اكشف الغمة عن هذه الأمة يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم عزَّ جاهك، وجلَّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك، نسألك يا من لا يخلف وعده، ولا يهزم جنده، أن تنصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان.

اللهم عليك باليهود، اللهم عليك باليهود، اللهم عليك باليهود ومن شايعهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠].

عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.