للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة الزواج وبعض حكمه وأسراره]

الحمد لله جعل لكل شيء قدراً، وأحاط بكل شيءٍ خبراً، وأسبل على الخلائق رعايته ستراً، أحمده تعالى على نعمائه شكراً، وأسلم لقضائه وقدره صبراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله إلى البشرية عذراً ونذراً، فدعا إلى الله سراً وجهراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أكرِم بهم في نصرة الدين نصراً، ونشره نشراً، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وأدم لهم أجراً.

أما بعد:

فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فإنها أعظم الوصايا طراً، وأنعم بها عدة وذخراً.

أيها المسلمون: لقد اقتضت حكمة الحكيم الخبير سبحانه حفظ النوع البشري، وبقاء النسل الإنساني؛ إعماراً لهذا الكون الدنيوي، وإصلاحاً لهذا الكوكب الأرضي، فشرع بحكمته -وهو أحكم الحاكمين- ما ينظم العلاقات بين الجنسين الذكر والأنثى، فشرع الزواج بحكمه وأحكامه، ومقاصده وآدابه، إذ الزواج ضرورة اجتماعية لبناء الحياة، وتكوين الأسر والبيوتات، وتنظيم أقوى الوشائج وأوفق العلاقات، واستقامة الحال، وهدوء البال، وراحة الضمير، وأنس المصير.

كما أنه أمرٌ تقتضيه الفطرة قبل أن تحث عليه الشرعة، وتتطلبه الطباع السليمة، والفطر المستقيمة إنه حصانة وابتهاج، وسكنٌ وأنسٌ واندماج كم خفف هماً، وكم أذهب غماً به تتعارف القبائل، وتقوى الأواصر فيه الراحة النفسية، والطمأنينة القلبية، والتعاون على أعباء الحياة الاجتماعية، ويكفيه أنه آيةٌ من آيات الله الدالة على حكمته، والداعية إلى التفكر في عظيم خلقه وبديع صنعه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١].

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} خرَّجاه في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ويقول صلى الله عليه وسلم: {تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة} خرَّجه أبو داود والنسائي وغيرهما.

الزواج من سنن المرسلين قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨] يقول عمر لـ قبيصة رضي الله عنهما: [[ما يمنعك عن الزواج إلا عجزٌ أو فجور]] ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[لو لم يبقَ من أجلي إلا عشرة أيام، ولي طولٌ على النكاح لتزوجت كراهية أن ألقى الله عزباً]] ويقول الإمام أحمد رحمه الله: ليست العزوبة من الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام.