للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشكلة المغالاة في المهور]

أمة الخير والفضيلة: إشارة ثالثة إلى مشكلة من المشكلات المستعصية: ألا وهي مشكلة غلاء المهور، والمبالغة في الصداق في بعض الأوساط، حتى صار الزواج عند بعض الناس من الأمور الشاقة أو المستحيلة، وبلغ المهر في بعض البقاع حداً خيالياً لا يطاق، إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهل الزوج، ويؤسف كل غيور أن يصل الجشع ببعض الأولياء أن يطلب مهراً باهضاً من أناسٍ يعلم الله حالهم، ولو جلسوا شطر حياتهم في جمعه لما استطاعوا، فيا سبحان الله! أإلى هذا المستوى بلغ الطمع وحب الدنيا ببعض الناس؟ وكيف تعرض المرأة المسلمة سلعة للبيع والمزايدة وهي أكرم من ذلك كله؟ حتى غدت كثيرات مخدراتٍ في البيوت، حبيساتٍ في المنازل؛ بسبب ذلك التعنت والتصرف الأرعن.

إن المهر في الزواج وسيلة لا غاية، وإن المغالاة فيه لها آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات لا تخفى على العقلاء؛ من تعطيل الزواج، أو الزواج من مجتمعات أخرى مخالفة للمجتمعات المحافظة مما له عواقب وخيمة، فرب لذة ساعة، تعقبها حسرات إلى قيام الساعة.

ولم يقف الجشع ببعض الناس عند هذا الحد؛ بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك مما هو خروجٌ عن منهج السلف الصالح رحمهم الله، يقول الفاروق رضي الله عنه: [[ألا لا تغالوا في صُدق النساء، فإنها لو كانت مكرُمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولاكم بها، لم يصدق امرأة من نسائه، ولم تصدق امرأة من بناته بأكثر من ثنتي عشرة أوقية]] ولعله لا يزيد في عملتنا المعاصرة على مائة وعشرين ريالاً فقط.

وقد زوج المصطفى صلى الله عليه وسلم رجلاً بما معه من القرآن، وقال لآخر: {التمس ولو خاتماً من حديد} وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، وقد أنكر صلى الله عليه وسلم على المغالين في المهور، فقد جاءه رجلٌ يسأله فقال: {يا رسول الله! إني تزوجت امرأة على أربع أواقٍ من الفضة -يعني مائة وستين درهماً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوه! على أربع أواقٍ من الفضة؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل؟ ما عندنا ما نعطيك} الله المستعان! كيف بحال المغالين اليوم؟!

أما علم أولئك أنهم مسئولون أمام الله عن أمانتهم ورعاياهم؟ هل نزعت الرحمة من قلوبهم والعياذ بالله؟!