للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رسالة عمر إلى سعد بن أبي وقاص]

الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله أعز جنده، ونصر كلمته، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، داعية السلام، ورافع لواء المحبة والوئام، والداعي إلى دار السلام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها الإخوة في الله: اتقوا الله جل وعلا حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يسمعه ويراه، من حفظ حدود الله؛ حفظه الله جل وعلا، ومن نصر دين الله؛ نصره الله سبحانه وتعالى.

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمير جيشه سعد بن أبي وقاص، فقال: [[أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العُدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الناس أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذاك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدونا شر منا فلن يُسلط علينا، فرب قوم سُلط عليهم شر منهم، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم]].

أيها الإخوة في الله! هذه رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي رسالة تمر عبر القرون، وتصل إلى أحداث المسلمين المتأخرة، فما عليهم إلا أن ينصروا دين الله، وما على قادتهم إلا أن يجتمعوا على الحق ويسعوا إليه، ويجدوا في الإصلاح بين المسلمين، أسوة بما تقوم به هذه البلاد المباركة، وولاة أمرها حفظهم الله، وعلى المسلمين جميعاً أن ينصروا دين الله، ويعلوا كلمته، فلهم من رحاب البيت العتيق، ومن جوار الكعبة المشرفة دعواتنا بملء أفواهنا وحناجرنا، ومن أعماق قلوبنا، أن يجمع الله قلوبهم على الحق، وأن يكلل مساعيهم بالنجاح والتوفيق، وأن ينصرهم على أعدائهم، وأن يأخذ بأيديهم إلى ما يحبه ويرضاه، ليعيدوا الحق إلى نصابه: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم:٢٠] بارك الله مساعيهم، وبارك في جهودهم في جمع كلمة المسلمين، وفي تحقيق الخير للأمة الإسلامية، سدد الله خطاهم وأعانهم على شئون دينهم ودنياهم.

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير الورى، والسراج المنير، والهادي البشير، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء المسلمين يا رب العالمين! اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وأراد دولتنا وأراد المسلمين بسوء في كل مكان فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين!

اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا رب العالمين.

اللهم وفق قادة المسلمين إلى تطبيق شرعك، والاجتماع على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، والسعي في إصلاح أحوال المسلمين يا رب العالمين.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم فرج هم المهمومين من إخواننا المسلمين، ونفس كرب المكروبين، ورد الغائبين إلى بلادهم يا رب العالمين.

اللهم أعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارزقنا عند حدوث الفتن التمسك بكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

هذا وإن عليكم -أيها المسلمون- أن ترفعوا أكُفَّ الضراعة إلى الله، وتلهجوا بالدعاء أبداً ودائماً، فإن سلاح الدعاء سلاح عظيم ينصر الله به المسلمين، فارفعوا أيديكم لنصرة المسلمين، وأن يحقق الله أمن الآمنين، إنه جواد كريم.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.