للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معيار رقي الأمم]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلائق فأتقن ما صنع، وشرع الشرائع فأحكم ما شرع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، أقام صرح الفضيلة ورفع، ودفع أسباب الرذيلة ووضع، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقى والحياء والزهد والورع، ومن سار على نهجهم واتبع، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تبارك وتعالى حق التقوى.

عباد الله: مقياس صلاح الأفراد والمجتمعات، ومعيار رقي الأمم والحضارات، عقيدةٌ تزكي النفوس، وإيمانٌ يقوِّم الأخلاق، ودينٌ يهدي إلى الفضائل، ويعصم من الوقوع في الرذائل، وعنوان نقاء المعدن، وزكاء العنصر، وحياة الضمير، وازع يمنعه من اقتراف الآثام وارتكاب الدنايا.

وأرق الناس طبعاً، وأقواهم ديناً، وأنبلهم سيرةً، وأصلحهم سريرة من عاطفته حيةٌ متوقدةٌُ، وضميره يقظ مُرهف، يترفع به أبداً عن مقارفة الخطايا، ويستشعر الغضاضة من سفاسف الأمور، والاشمئزاز من كل المنكرات والشرور.

وقليل المروءة وبليد الشعور من لا يبالي بفضيلة، ولا يتورع عن فعل رذيلة، ينفلت من الأخلاق بلا مبالاة، ويتحرر من القيم بلا اكتراث، ويتحول وحشاً كاسراً ينطلق وراء شهواته، وينساق خلف ملذاته، ويدوس في سبيلها أزكى العواطف، وأنبل المشاعر والقيم، فلا وازع يردعه، ولا حياء يمنعه، بل ولا فطرة نقية وعقلية سوية.

هب البعث لم تأتنا رسله وجاحمة النار لم تضرم

أليس من الواجب المستحتم حياء العباد من المنعم