للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تضحية النبي صلى الله عليه وسلم وصبره على تبليغ الرسالة]

والمتأمل في سيرته عليه الصلاة والسلام يجد أنه قد نذر نفسه لتبليغ رسالة الله، والدعوة إليه والجهاد في سبيل الله، وقد أولى عمارة القلوب بتوحيد الله وتطهيرها من التعلق بغيره كل اهتمامه، ولقي في سبيل ذلك صنوف الأذى، فصبر وصابر، وأيقن بنصر الله له، وكلما اشتد عليه الأذى القولي والفعلي كلما ازداد حلماً وصبراً وثقة بنصر الله، وكلما اشتد عليه الأذى، وكلما رماه قومه بالسحر والشعر والكهانة، ويوقعون به ألواناً من العذاب، لا يزيد على قوله: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.

ويزداد الأذى الحسي والمعنوي، حتى وصل إلى إلقاء سلى الجزور عليه، وهو ساجدٌ في ظل الكعبة، بل حاولوا قتله والقضاء عليه، فلم يجد الضعف لنفسه سبيلاً، بل ضل صابراً محتسباً، راجياً أن يخرج الله من أصلاب من آذوه من يعبده لا يشرك به شيئاً، وخرج في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فوجد ما لم يكن في حسبانه من الأذى والنكال، فرفع يديه إلى ربه، معلناً ثقته به، ومظهراً افتقاره إليه بقوله: {اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني، أم إلى عدوٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل عليّ غضبك أو ينزل بيّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك} هذه صفحة -يا أحباب رسول الله- مشرقة من كفاحه وفضله وتضحيته، فلنا فيه الأسوة الحسنة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.