للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاسبة النفس على ما مضى وفات]

الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل، واشكروه على نعمه، وتوبوا إليه واستغفروه {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:٢٢٢].

عباد الله: اغتنموا فرصة الحياة القصيرة بالتزود لدار القرار، فهاهي الأيام تمضي سريعاً، والأوقات محدودة، والأنفاس محدودة، وأنتم في هذه الأيام توشكون أن تودعوا عاماً من أعماركم، هو شاهدٌ لكم، أو شاهدٌ عليكم بما أودعتموه من أعمال، وتستقبلون عاماً جديداً، فالسعيد من تذكر ما أمامه، فاستعد له، والشقي من غفل عنه وأمن من مكر الله عز وجل.

ولا تغتروا بحلم الله سبحانه، واعمروا أوقاتكم بطاعة الله، واستغلوا فرصة حياتكم وشبابكم وصحتكم بالعمل الصالح.

أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ} يعني: أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، ومن كان مقصراً في شكر ما أنعم الله به عليه، فهو مغبون، وليتذكر شباب الإسلام أنهم يودعون الإجازة الصيفية، ويستقبلون عاماً دراسياً جديداً، فليحاسبوا أنفسهم ماذا قدموا في هذه الإجازة، هل حفظوا أوقاتهم؟ هل قدَّموا لأنفسهم ما يسرهم من صالح العمل؟ هل قدموا لأمتهم الخير الذي ترجوه منهم؟ أم أنهم قد طغوا، واشتغلوا بما لا يفيدهم، وبما يضرهم، وليبدءوا حياةً جديدةً ملؤها العلم النافع، والعمل الصالح؛ ليكونوا دعاة خير وصلاح لأمتهم التي هي بأمس الحاجة إليهم.

فاتقوا الله -عباد الله- وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر على الله {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨] واعلموا أنكم قادمون -بلا شك- على ما تعملون {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:٣٠] {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧ - ٨] {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:٤٩] {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧].

واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على رسوله، فقال تعالى قولاً كريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين! واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم وفق المسلمين لما تحب وترضى، اللهم منَّ عليهم بصلاح أحوالهم، وقادتهم وعلمائهم، وشبابهم ونسائهم يا رب العالمين! اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، اللهم ارزقه الهدى والرشاد، ووفقه للبطانة الصالحة الناصحة التي تحضه على الخير وتعينه عليه يا رب العالمين.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.