للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحكمة من خلق الجن والإنس]

إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه، وأستغفره وأتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بعبادته، وألزمنا بإخلاص العمل له، والوقوف عند سنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين، ورسول رب العالمين أرسله الله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً؛ فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة في الله: إنه لمن نعم الله عز وجل علينا أن تتاح في هذه الليلة المباركة، وفي هذا المكان المبارك، في بيتٍ من بيوت الله جل وعلا أن نلتقي في هذه الأمسية على ذكر الله جل وعلا، وعلى التذكير بموضوعين مهمين خطيرين لهما مكانتهما المرموقة، ولهما شأنهما في هذا الدين، إنه اجتماعٌ طيبٌ مبارك في هذا البيت المبارك لتحقيق التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، نسأل الله جل وعلا أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، كما نسأله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من عباده المخلصين، وحزبه المفلحين إنه جوادٌ كريم.

أيها الإخوة في الله: لا ريب أن الله سبحانه وتعالى إنما خلقنا في هذه الحياة للقيام بعبادته جل وعلا، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١] ويقول جل من قائل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:٣٦] ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:٢٣] ويقول جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] ويقول سبحانه: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٩٢] ويقول جل وعلا: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود:١ - ٢].

فالآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، التي تبين حكمة خلق الله جل وعلا لخلقه: جنهم وإنسهم، فعلى العباد أن يقوموا بهذه المهمة في هذه الحياة؛ لأن الله جل وعلا خلقنا في هذه الحياة للقيام بهذه الرسالة العظيمة، هو {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:٢]، {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:٧].

فالعبرة في هذه الحياة بحسن العمل، لا بكثرته ووفرته، العبرة بحسن العمل وكونه خالصاً لله جل وعلا، لا تشوبه شائبة من شوائب الشرك بالله جل وعلا، وكذلك العبرة بحسن العمل من جهة متابعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالإنسان في هذه الحياة عليه أن يعبد الله جل وعلا على نهج الكتاب والسنة، فلا بد في هذا العمل الذي يعمله كل عبد من شرطين أساسيين، وركنين مهمين هما موضوع هذه الكلمة في هذه الليلة.

أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بما نسمع، وأن يكون كلامنا حجة لنا لا علينا، وأن يكون منطلقاً للعلم النافع والعمل الصالح.