للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآيات الدالة على الإخلاص]

لقد زخر كتاب الله جل وعلا بالنصوص الشريفة التي تبين مكانة الإخلاص وتحث عليه، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا ما توفر فيه هذا الشرط العظيم، يقول سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥] ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٢ - ٣] ويقول سبحانه لنبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [الزمر:١١ - ١٢]، وقال: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:١٤ - ١٥].

ويقول سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} [الملك:٢] ويقول جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠] ويقول سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

يقول الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ} [الملك:٢] أي: أخلصه وأصوبه.

قيل: يا أبا علي! ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: الخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فلا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً، وتلا قوله جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠].

فقوله سبحانه: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِح اً} [الكهف:١١٠] هو المتابعة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠] هذا هو الإخلاص لله جل وعلا.

ولهذا قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠] قال رحمه الله: هذان ركنا العمل المتقبل، أن يكون خالصاً لله، وأن يكون صواباً على سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء:١٢٥] وأسلم وجهه لله: بالإخلاص لله جل وعلا، وهو محسن: باتباع سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فهذان الأمران العظيمان، وهذان الركنان المهمان، من الأمور التي ينبغي الانتباه لها، وما أحسن كلمة الفضيل بن عياض رحمه الله؛ فإنها كلمة عظيمة، وكلمة جامعة مستقاة من نصوص كتاب الله جل وعلا، فينبغي على العباد أن يخلصوا أعمالهم لله جل وعلا وأن يتبعوا ما جاء في سنة المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فلهذين الأمرين العظيمين مكانتهما في هذا الدين، ولهذين الأمرين المهمين مجالٌ للشيطان أعاذنا الله منه، أن يتسلل إلى قلوب العباد من جهتها، فما أكثر الذين يعانون من عدم تحقيق هذين الأمرين جميعاً أو أحدهما.

فالإخلاص لله: يقتضي توحيده وعبادته والبعد عن الإشراك به، وأكبر مناقضٍ للإخلاص الشرك في عبادة الله جل وعلا، فمن أشرك مع الله غيره أو من عبد غير الله، أو من التجأ إلى غير الله سبحانه في طلب نفع أو دفع ضر؛ فقد ناقض هذا الأصل العظيم، ولهذا جاءت النصوص الكثيرة في التنبيه على خطورة الشرك وبيان عظم التوحيد لله عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:٣٦]، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣]، {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [الأنعام:١٥١].

فالشرك بالله: هو الذنب الأكبر والجرم الذي لا يُغفر عافانا الله وإياكم قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:٤٨] ويقول تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:٧٢] ويقول أيضاً: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:٣١] فعلى العباد أن يحذروا من الشرك بالله، ويعلموا أنه أكبر ناقضٍ لهذا التوحيد وأكبر جرمٍ عصي الله عز وجل به، فعليهم أن يفوضوا أمورهم لله، ولا يشركوا به، لا ملك