للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العواقب الوخيمة للتساهل في الإخلاص]

الأمر خطير -يا إخوتي في الله- كم منا من يعمل الأعمال الصالحة ولكن شوائب المراءاة، وطلب حب الظهور والشهرة، وكلام الناس وأقوالهم؛ تؤثر عليه بل قد يقرأ القرآن؛ ليري الناس حسن صوته، ويفتي ويعلم؛ ليقال فيه: عالم، وليقال فيه: ما شاء الله اطلاعه واسع، ومعرفته بالعلم عميقة، ومعرفته بحديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيدة، وما إلى ذلك من الأمور، أو يتعلم العلم لأجل الدنيا، يتعلمه ليكون طريقاً إلى المال والمنصب والجاه والشهرة، يتعلمه لينال به شهادة عالية، ليقال: هذا فلان بن فلان يحمل شهادة كذا، ويعمل كذا وفي منصب كذا ويتقاضى مرتب كذا! وما إلى ذلك من الأمور، فهذا على خطر إن لم يخلص أعماله لله.

فعلينا أن نتقي الله عز وجل، وعلينا أن نخلص أعمالنا لوجه الله عز وجل، ما أكثر الذين يصلون؛ فإذا رآهم الناس حسنوا صلاتهم، يطمئنوا في ركوعهم وسجودهم، وكأنهم خاشعون لله بينما هم لأجل نظر فلان وبصر فلان.

ما أكثر الذين يتعلمون العلم ويطلبونه للدنيا والشهادة، والوصول إلى المنصب والجاه والشهرة، وليس معنى ذلك -يا إخوتي في الله- أن الإنسان لا يتعلم العلم ولا يحسن صلاته ولا يقوم بالعبادة الشرعية على وجهها المطلوب، ولكن عليه أن يكون كذلك دائماً وأبداً، وأن يخلص لله، فلا يغير من سلوكه إذا رآه الناس، ولا يحسن من صلاته إذا جالت أنظار الناس حوله، فلا مانع أن يأخذ الإنسان الشهادات العليا، ولا مانع أن يتعلم الإنسان ليصل إلى الوظيفة؛ ليستغلها في نفع نفسه ورعاية أسرته والتأثير في مجتمعه، ولكن حذاري أن يتسلل الشيطان إلى عملك الصالح فيفسده بمراءاة الناس وطلب سماعهم وثنائهم.

ما أكثر الذين يقومون بالمشروعات الخيرية، من بناء المساجد وتأمين السبل، والجهاد والنفقة في سبيل الله عز وجل، ولكن يطلب ثناء الناس، لتكتب أسماؤهم ولترى أفعالهم، ولتخرج أسماؤهم في الصحف والمجلات، ولتتردد أفعالهم في مجالس الناس، فإذا قصد المسلم بعمله ذلك، فهي خسارة له، وعمله لا خير فيه، بينما إذا عمل الإنسان هذه الأعمال الطيبة، وأنفق في سبيل الله، وقدم لنفسه خيراً من المشروعات الخيرية، ولكنه قصد ما عند الله، والناس يقولون ما يشاءون، ويفعلون ما يشاءون، فإذا أثنى الناس عليه مع إخلاصه لله، فتلك عاجل بشرى المؤمن، كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن حذاري أن تعمل العمل لأجل الناس، أو تطلب ثناء الناس، بحيث إن لم يثنوا عليك ولم يمدحوك أعرضت عن طرق الخير؛ فهذا قدحٌ في الإخلاص عافانا الله وإياكم!

فالإخلاص يكون في العقيدة: بإخلاص العبادة لله عز وجل دون شائبة من شوائب الشرك، وصرف العمل لغير لله عز وجل.

وكذلك يكون في العبادات: في تحسين الصلاة، باتباع السنة فيها وتحسينها لكن ذلك لأجل أنظار الناس، ويكون كذلك في مظهر الإنسان وشكله، فيتزين ويتجمل ويتنظف لا لأن الدين أمره بذلك؛ ولكن ليلبس لباس الشهرة وليخرج للناس ليتحدث الناس في هندامه ومظهره، كذلك الإخلاص في العبادات المالية، فإن الشيطان كثيراً ما يدخل على الناس فيها، فالذين ينفقون في سبيل الله لكنهم ينفقون ليقول الناس: أنفق فلانٌ مليوناً، أو أنفق فلان أكثر من فلان، ثم يأتي المنفق الأول فيزيد ليقول الناس: زاد، كل ذلك وأصحابه على خطرٍ عظيم.

فعلينا أن نحذر -يا إخوتي في الله- مغبة الرياء والعمل لقصد ثناء الناس ومحمدتهم، وليلح المسلم على ربه دائماً وأبداً، أن يرزقه الإخلاص، فحريٌ بمن رزق الإخلاص أن يُوفق لخيري الدنيا والآخرة، وحريٌ بمن فقد الإخلاص أن يصاب بخسارة الدارين، عافانا الله وإياكم والمسلمين من ذلك!