للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم ترك العمل خوفاً من الرياء وعلاج الرياء

السؤال

أنا شابٌ أعمل أعمالاً صالحة ولله الحمد، وأخلص فيها لله، ولكني أخاف، ويدخل الشك في نفسي هل يقبل مني هذا العمل أم لا؟ لدرجة أني أحياناً أفكر ألا أعمل هذه الأعمال خشية أن يدخل في نيتي شيء غير الله، فماذا أعمل؟ وما هو العلاج للرياء؟

الجواب

هذا سؤال مهم والحديث فيه إشارات إلى هذا الأمر، لكني ألفت النظر -يا إخوتي في الله- إلى إن أمر الإخلاص أمرٌ دقيقٌ وخطير، وهو مدخلٌ من مداخل الشيطان على العبد، فالإنسان يريد أن يخلص لله جل وعلا، لكن يأتيه الشيطان، فمثلاً: يريد أن يصلي على وفق سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكن يأتيه الشيطان فيقول له: إنك تعمل هذا العمل للناس، وإن هذا العمل قد يكون رياء وما إلى ذلك.

على الإنسان أن يعمل العمل الصالح، ولا يجعل للشيطان طريقاً إلى نفسه، عليه أن يعمل بما جاء به كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد جاء فيهما عِظم شأن الصلاة، وجاء في سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيفية الصلاة، فأنت إذا أديت الصلاة على وفق السنة، فلا مجال للرياء هنا، واحذر من أن يدخل الشيطان إليك، فتترك السنة خشية أن يراك الناس، ولهذا قال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله كلمة قيمة يقول: " ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك ".

ترك العمل لأجل الناس: أنت لا تريد أن تصلي صلاة على وفق السنة؛ لأجل أن يراك الناس فتترك السنة هذا هو الرياء بعينه.

والعمل لأجل الناس: أنك تصلي لأجل أن يراك الناس، أو يحمدوك على حسن صلاتك، هذا هو الشرك الأصغر الذي هو الرياء، عافانا الله وإياكم، وقد يكون أكبر بحسب مراد الإنسان ومقتضيات الحال، فمثلاً حين يعمل الإنسان لغير الله عز وجل، ويعمل لأجل الناس، يعمل لأجل صاحب القبر، أو للميت أو للولي أو للنبي أو للملك أو للجان أو للسحرة أو لغيرهم، فإنه والعياذ بالله يقع في الشرك الأكبر، لأن الشرك هو صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، إذاً العمل لأجل الناس هو الشرك بالله، وترك العمل الصالح لأجل الناس رياء.

فالإنسان عليه أن يكون دقيقاً في نظراته وليجمع بين متابعة السنة والإخلاص لله عز وجل والحذر من دخول الشيطان، فإن هذا طريقٌ من طرق الشيطان ومدخلٌ من مداخله، فهكذا الإنسان عليه أن يروض نفسه على الإخلاص، وأن يجاهد نفسه في البعد عن الرياء.

والطرق التي تضمن بتوفيق الله عز وجل البعد من الرياء أولاً: الإقبال على الله، فإن العمل لأجل الله ترويض النفوس على العمل لله، فما أكثر الذين يعملون لغير الله، وما أكثر الذين يعملون للدنيا، وما أكثر الذين يعملون لمصالحهم ولشخصياتهم، ويدعون لأنفسهم ولأحزابهم وجماعتهم وما إلى ذلك، يجب أن نعمل لله، ويجب أن تكون كل أعمالنا لله عز وجل، ومحبتنا يجب أن تكون لله: {ثلاثٌ من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليهما مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله} لا تحب فلاناً لأجل منصبه، أو لأجل ثرائه، أو لأجل وجاهته، أو لأجل دنياه، أو لأجل نسبه ومكانته وشرفه، لا.

بل تحبه لله، لأنه عبدٌ صالح؛ ولأنه مستقيم يعمل الطاعات ويبتعد عن المعاصي.

ثانياً: البعد عن ثناء الناس ومحمدتهم، ولتجعل ثناء الناس وسيلة، تبعاً لا أصلاً، فإذا جمعت بين الإخلاص لله وجاءك من الناس مدحٌ وثناء، فهذا من عاجل بشرى المؤمن التي يبشر بها، فأنتم شهداء الله في أرضه، ولكن لا يؤثر هذا على إخلاصك إن لم يمدحك الناس فلن تخطب ولن تقول أو تتكلم أو تنفق أو تعمل أو تتعلم أو تدعو إلى الله، لا.

فالميزان دقيق.

كذلك الحذر الحذر من مصائد الشيطان، والإلحاح على الله بالدعاء أن يرزق الجميع الإخلاص، والبعد عن الشيطان ومداخله، لا بد أن ننتبه لهذه الأمور، الأخذ بعوامل الثبات على هذا الدين وتقوية الإيمان بالله عز وجل، والعمل للآخرة، ماذا يقول الله عز وجل عن المؤمنين الأوائل، الذين يطعمون الطعام: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:٩] الله أكبر! هذا هو منهج المؤمنين المخلصين، يعملون لله، ويعملون للآخرة.

المرائي الذي وقع في الرياء، لو استشعر عظم شأن الرياء وخطورته، وأنه قد يحبط العمل والعياذ بالله، ما موقفه؟ لو قرأ حديث أبي هريرة في الثلاثة النفر الذين تسعر بهم النار يوم القيامة، ما تأثير ذلك على قلوبنا يا إخوتي في الله؟!

إذاً: يجب أن تكون العلاجات للرياء منبثقة من الكتاب والسنة، بالإخلاص لله وترويض النفس على ذلك، بالبعد عن الشيطان، بالإقبال على الله والإلحاح عليه بالدعاء، والنظر في عواقب الأمور، والتبصر في الآخرة وما أمام الإنسان، والنظر في عواقب الرياء الوخيمة التي جاء بها الكتاب والسنة، والنظر في ثمرات الإخلاص اليانعة في الدنيا وفي الآخرة، نسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم الإخلاص والمتابعة، وأن يعيذنا من الرياء والسمعة والمخالفة لسنة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه على كل شيء قدير.