للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخذ العبرة من انصرام الأعوام]

أمة الإسلام! تودع الأمة الإسلامية بل يودع العالم بأسره هذه الأيام، عاماً هجرياً كاملاً، مضى بأحداثه ووقائعه، وخيره وشره، مضى من أعمار بني آدم ولن يعود إلى يوم القيامة، ذهب كما ذهب غيره، وتلك سُنَّة الله عز وجل في كونه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، فالليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، مع حركات الأفلاك الدائرة، والآيات السائرة، والعبد يعيش في هذا الميدان الذي أعد للسباق الطويل، الذي لا يتقدم فيه إلا من عرف ربه، وذكر حقه، وشكر نعمه، ومن يجعل من فواصل السنين تواصل دأبٍ وعملٍ ونصب؛ لإحراز الراحة الكبرى {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦].

ومن يذهل عن هذه المعاني السامية، ويهيم وراء منافعه العاجلة، ولذاته الفانية فلا يعتبر ولا يتعظ بمرور الأيام والأعوام، فتلك أمارة الخسران، وعلامة الحرمان، عياذاً بالله.

وقد كان السلف الصالح رحمهم الله، يجعلون من مرور الأيام والسنين، مدكراً ومزدجراً، فكانوا يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس، وقال بعضهم: كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟!

كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته؟

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: [[إنما أنت أيام كلَّما مضى منك يومٌ مضى بعضك] ومن أقوال الحسن رحمه الله: [[ما من يومٍ ينشق فجره، إلا نادى منادٍ من قبل الحق: يابن آدم! أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود فيّ بعملٍ صالح؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة]].