للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العمل الصالح سبب النعيم في الدنيا والآخرة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وصفوته من رسله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ورضي الله عن الخلفاء الراشدين، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا إخوة الإسلام: ويا أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام! اتقوا لله تعالى بعمل الصالحات واجتناب المحرمات، واعلموا -رحمكم الله- أن الحياة الطيبة الآمنة والعيشة الراضية السعيدة لا تحصل إلا بالإيمان والعمل الصالح، قال عزَّ وجلَّ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧].

وقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].

وما يحصل من بلاء وخوف ورعب وإخلال بأمن الأمة وأفرادها إنما مرده إلى ضعف الإيمان أو فقدانه، وتلك سنة الله {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٦٢] {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:٤٣].

أيها المسلمون: إن الأعمال الصالحة هي حصيلة العبد التي يخرج بها من هذه الدنيا، وعليها يترتب مصيره في الآخرة.

أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يتبع الميت ثلاثة: أهله، وعمله، وماله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله} يرجع الأهل والأقربون، والأصحاب والبنون، وترجع الأموال الطائلة، والقصور الواسعة، والمراكب الفارهة، والمناظر الفاخرة، وقد تكون وبالاً على أصحابها، ويبقى مع العبد في الحفرة الضيقة واحد ولا شيء غيره، ذلك هو العمل الصالح.

فالعمل -يا عباد الله- هو صاحب الإنسان في قبره، يُنَعَّم به إن كان صالحاً، ويُعَذَّب به إن كان غير ذلك.

وقد ورد في الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العمل الصالح يأتي صاحبَه في القبر بصورة رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، فيقول الميت: من أنتَ فوجهك الذي يأتي بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح.

وأما العمل السيئ: فيأتي صاحبه في القبر بصورة رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعَد، فيقول: من أنت فوجهك الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث.

فأين الناس اليوم عن هذه العبر؟!

إن المتأمل في واقع كثيرٍ من المسلمين يعود جريح الفؤاد، حزين النفس؛ لما يرى من تفاقم الأعمال السيئة، وانتشارها في مجتمعات المسلمين، فهذه ضروب الإشراك بالله، والبدع في الدين، وهذه كبائر الذنوب والمعاصي تُرتَكب ممن ينتسبون إلى الإسلام: كالقتل، والزنا، والربا، والسرقات، والظلم، والمسكرات، والمخدرات، وإضاعة الجُمَع والجماعات، والعكوف على المُلهيات والمغريات، وكذلك التبرج والسفور، وقلة الحياء، وإبداء الزينة، والاختلاط، كل هذا موجود بين المسلمين والمسلمات.